يشكو أهلٌ كُثُر من عدمِ احترام أولادِهم لهم. هُم لا يُدرِكون أنَّ الاحترام يُكتَسَب على قاعِدة Give Respect, Get Respect. يسألُ أحدهم كيف يمكنُني أن أجعلَ ولدي يحترمُني؟ سؤالٌ لافتٌ وموجِعٌ ربّما في زمنٍ قلّ فيه الاحترام بالمطلق.
نقطة البداية في هذا الموضوع هي وعيُكَ، وعيُكَ كأبٍ أو كأُمٍّ أنَّ العلاقةَ مع الولد هي أهمّ من القوانين، ووعيُكَ أنَّ حياتَك القُدوة لأولادِك أمرٌ أساسٌ، ووعيُكَ لحتميّةِ قولِكَ لهم باستمرار إنَّكَ تُحبُّهُم بلا شروط، يُشكِّلُ مَعْبَراً إلزاميّاً قبل اكتسابِ احترامِ أولادِك لكَ.
كذلك، فإنّ رأيَكَ في أولادِكَ مُهمٌّ في عمليّة كَسْبِ احترامهم لك. فإذا أظهَرتَ رغبةً في متابعةِ هواياتِ أولادِكَ وأنشطتهم، هذا أمرٌ جيِّدٌ جدّاً. وعندما تمضي وقتاً معهم، لا تتردَّد في أن تقولَ لهم إنَّكَ تمتّعْتَ بتمضيةِ “وقت الجودة” هذا بمعيّتِهم. يجب أن يعرفوا رأيكَ في هذا المجال. هذا على مستويَي الوعي والرأي، فماذا على مستوى التواصل معهم؟
في تواصُلِكَ معهم لا تذهب بعيداً في رَدّاتِ فِعلِكَ، و”ما تاخد مَجدَكْ” وأنتَ تنتقدُهم. الإصغاء لأولادِك في أثناء وضعِكَ ترتيباتِ وقوانين العائلة أمرٌ مهمٌّ. هُم أيضاً لهم آراء جيّدة على مستوى ترتيبِ القواعد البيتيّة. إذا شعرتَ بحاجةٍ إلى أن توجِّهَ لهم نوعاً من الإرشاد، فلا بأس، لكن أبقِهِ مُختصراً. وفي نقاشِكَ مع الأولاد لا تَخَفْ بأن تقولَ لهم إنَّهُم على حَقٍّ عندما يُبدون رأياً جيّداً. وفي كلِّ الأحوال، وفي أثناءِ حدِيثكَ معهم، لا تصرُخ في وجوهِهم.
وعلى مستوى الافتراضات الّتي تُبعِدُنا عن احترام أولادِنا لنا، لا تفترض أنَّكَ تستطيع أن تفهم تماماً كيف يشعرون. هذا ليس بالضّرورة أمرٌ صحيح. واسعَ بالتّالي إلى أن تفهمَ مشاعِر أولادِك الحقيقيّة. وبين هلالَيْن أقول لك إنَّ فَهْمَ مشاعِرَ الأولاد ليس بالأمرِ السّهل. لا تُقدِّم لهم خُلاصات ولا تقفزُ إلى الاستنتاجات بعد نقاشٍ قصيرٍ معهم، ذلك لأنَّ القفزَ إلى النّهايات يُنهي فعلاً الحوار القائم بينكما.
وماذا تفعل عندما تختلفان في الرّأي، وهو بالمناسبة أمرٌ بديهي؟ من الضّروري، إذا أردتَ أن تكسبَ احترام ولدِكَ لكَ أن تبقى منطقيّاً reasonable، وبنوعٍ خاص، عندما لا يقدِرُ وَلَدُكَ على أن يكونَ منطقيّاً هو نفسه. ومن المفضّل عندما تختلف معه، وبهدف كسبِ احترامِه، ألّا تؤدِّبَهُ أو تُعاقبه وأنتَ في حالةِ غضبٍ أو ثوران. التّأديب والعِقاب ليسا مطروحَيْن أصلاً بهذا الشّكل، لكنّ الأمرَ يتطلَّبُ في وقت الغضب الامتناع الكُلّي عن التّهوّر. وإذا تسرّعتَ وعبَّرتَ عن غضبِكَ تجاه ولدِك بشكلٍ قاسٍ، ماذا تفعل؟ صدِّقني أنَّ الاعتذار منه يجعلك كبيراً في عينيه.
قد تقول لي إنَّ ولدَك يتصرَّف معك بقلّةِ احترامٍ أحياناً عندما يختلف رأيُه عن رأيِكَ. لا تتعاطَ مع الأمر وكأنَّ الموضوع إهانةٌ شخصيّةٌ لك. من الخَطَرِ في تلكَ اللّحظة أن تعتبر الموضوع شخصيّاً. في اللغة الإنكليزيّة نقول: Don’t take it to heart. لا تذهب إلى هناك بهذا التّفكير.
من الضّروري أيضاً أن يكون ولدُكَ مطّلعاً على سُلَّمِ قِيَمِكَ ومبادئك الحياتيّة. عندما يعرفها ولدُك بالتّمام، فحتّى لو حصل اختلافٌ في الرّأي، وجنَحَ ولدُك نحو اللّامنطق، فإنَّهُ سيعودُ إلى نقطةٍ سويّةٍ معك. هوَ يعرف المبادئ التي أسّستَ عليها عائلتَك.
وفي هذا السّياق، هناك ثوابت في العلاقة لا تنسَها، بغضِّ النّظَر عن نوعِ شخصيّات أولادِك. هذه الثّوابت تساعدك على اكتساب احترامهم والاحتفاظِ به. مثلاً، إحتَرِمْ خصوصيّة ولدِك. لا تتجسَّس على هاتِفِه النّقال، ولا تدخُل إلى غرفتِهِ قبلَ أن تَقرع الباب إذا كان البابُ مُغلقاً. وجيِّدٌ أيضاً لتكسبَ احترامه، أن تحترِمَ زوجتكَ أو زوجكِ أمامه بشكلٍ يجعل “الاحترام” ثقافةً منزليّة ونموذجاً سلوكيّاً يُحتذى. أشجِّعكَ على ألّا تستخفَّ بولدِكَ وطاقاتِه، وألا تُطوِّرَ نِكات عنها، وخصوصاً إذا حَمَلت هذا النِّكات قصفاً من العيار الثّقيل لمواهبه وطاقاته وعلاماته ومستوى جُهدِه. وهنا لا بدَّ من أن تكونَ ثابتاً consistent في مواقفكَ تجاه ولدك. فلا تكون يوماً منطقيّاً، مُحِبّاً، مُحترِماً، مبادِراً تجاهه، وفي اليوم التّالي، أنتَ انفعاليٌّ، حَرِدٌ، متهكِّمٌ، غاضِبٌ، في موقفك تجاهه. وإذا وعدتَهُ وعداً معيّناً، فلا تتراجع عنه فقط لأنَّهُ نال علامةً لم تُرضِكَ فتقول له مثلاً: “غَيَّرِت رأيي كرمال العلامة.” إيّانا وفعل ذلك.
في الخِتام، تذكَّر ثلاثة أمورٍ يُفضِّلُ الولد أن يعرفها لكي تسهل عليه عمليّة احترامك. أولاً، لتكُنْ توقّعاتك منه واضحةً له، فإذا حَقَّقَ ما هو مُتوقَّع لا ترفع السقف إلى مستوىً أعلى. ثانياً، شَجِّعْ الولد على التّصرُّفِ بحريّةٍ ضمن حدودٍ معيّنة. لا تُملِ عليه القرارات فتنزل عليه كالمظلّة. وثالثاً، عندما يكونُ الأمرُ مُمكناً، حاوِل أن تُشرِكَ ولدك بصُنعِ الخيارات والقرارات.
إذا نسيتَ كلَّ ما تقدّم، تذكّر أنّ الاحترام بين الناس يُكتَسب، وأنّ كسبَ احترام الولد لكَ لا يقلّ صعوبة لا بل يزيد صعوبةً عن اكتساب احترام شخصٍ غريبٍ لكَ. هناكَ ممرٌ واحدٌ إلزاميٌّ لاكتساب احترام ولدك، وهو أن تمنَحَه إيّاه أوّلاً.
سمير قسطنطين