إغتيال الشخصيّة أو ما نسمّيه بالإنكليزيّة Character Assassination هو مصطلح يُستعمل في علوم الإدارة والسياسة والقانون والإعلام. وهو يعني في ما يعنيه الإضرار بالسمعة الطيّبة للفرد أو الجماعة بالافتراء والتشهير والتشويه. هو قتلٌ معنويٌّ فيه زهقٌ للروح من دون المساس بجسم المجني عليه.
قُبيل الحرب اللبنانيّة، وتحديداً في النصف الأوّل من سبعينيّات القرن الماضي، وفي كلّ مرّةٍ كان يحصل فيها حادثٌ لمناصري منظّمة التحرير الفلسطينيّة، كان اليسار اللبناني ومن دون أيّ تردُّد يتّهم “الشعبة الثانية” – هكذا كان إسمُها قبل أن تُعرف بإسم “مديريّة المخابرات”. سبق ذلك بسنواتٍ قليلة مشهدٌ لرئيس الحكومة الراحل صائب سلام في سنترال بيروت ينزع كابلات التنصُّت التابعة للشعبة الثانية. كُلُّنا نذكر حجم “اغتيال الشخصيّة” الذي مارَستْه جهاتٌ عديدة ضدّ جهاز الشعبة الثانية آنذاك، هذا الاغتيال الذي أخذ في هذه الحالة ويأخذ في كلِّ حالة مشابهة، أشكالاً عديدة مثل الإتّهامات غير المثبّتة وغير المنطقيّة أحياناً، والإهانات، مثلما يأخذ اليوم شكل “بوستات” مثيرة للجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، فيها مبالغات وإن كان لها شيءٌ من الأساس، لكنّها تذهب بعيداً في التشهير إلى حدٍّ يفوق الوصف.
في بداية الحرب اللبنانيّة “شَيْطن” اليسار اللبناني مدعوماً من منظمّة التحرير حزب الكتائب اللبنانيّة. صار إسم حزب الكتائب مرادفاً لعبارة “عملاء إسرائيل” و”عملاء الداخل” وما شابه. هذا تدميرٌ للشخصيّة.
ليس بالضرورة أن يكون من يُغتال شخصاً واحداً. من الممكن أن يكون تيّاراً أو حزباً أو ما شابه. خُذ مثلاً آخَر ما حصل لثورة 17 تشرين. إتُّهِمَت الثورة من قِبل أحزاب السلطة بأنّها نِتاج السفارات، وأنّ ناسها هم عملاء السفارات، كما إتُّهِم الشيعة فيها بنوعٍ خاص بأنّهم “شيعة السفارات”. هذا شكلٌ آخر من أشكال اغتيال الشخصيّة.
في بداية أيّام الثورة كان هناك تركيزٌ على الوزير جبران باسيل الذي شُتِمَت أُمّه بشكلٍ دائم. هذا كان نوعاً من أنواع تدمير الشخصيّة. قبل الوصول إلى إتّفاق معراب بين القوّات اللبنانيّة والتيّار الوطني الحر وعلى امتداد سنوات طويلة، وبعد انهيار اتّفاق معراب، وفي كلّ مرّة يتحدّث فيها الوزير باسيل عن الدكتور سمير جعجع، يعطيه صفات القاتل والخائن كما فعل قبل يومين، يوم عيد الفصح في بكركي. هذا اغتيالٌ للشخصيّة.
على المسرح العالمي، خُذ مثلاً ما يجري بين روسيّا وأوكرانيا هذه الأيّام. في كلّ مرّة يتحدّث الروس عن الأوكرانيّين، تقرأ عبارة “النازيّين”. الروس يتّهمون الأوكرانيّين بالنازيّة. هل الأوكرانيّون نازيّون؟ طبعاً لا. لو كانوا كذلك لما دعمتهم أوروبا التي أنهَكَها النازيّون. لكن روسيا تفعل ذلك في إطار إغتيال الشخصيّة الجماعيّة لأوكرانيا وأهلها.
موضوع اغتيال الشخصيّة ليس جديداً ولا هو قديم العهود. لعلّ المرّة الأولى التي استُعملت فيها هذه العبارة بهذا المعنى كان في العام 1930 عشيّة اندلاع الحرب العالميّة الثانية.
مَنْ مِن أبناء جيلي لا يتذكّر في ستّينيّات القرن الماضي الكاتب والمنشقّ الروسي الشهير ألكسندر سولجينتسين؟ إتُّهمَ آنذاك بأنه يهودي وخائن ومتعاون مع النازيّة، ومع وكالة استخبارات أجنبيّة. هل تتخيّل معي يهوديّاً متعاوناً مع النازيّة؟ مستحيل. لكن هذا ما يفعله اغتيال الشخصيّة.
في بداية هذا القرن، صوّر الغربُ صدّام حسين، الرئيس العراقي الراحل، على أنّه مُنتجٍ لأسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي لم يكن بالإمكان تثبيته حتّى الساعة. لكن إغتيال الشخصيّة هذه سهّل على دولٍ كثيرة إنتاج تحالفٍ عسكريٍّ، وحشد تأييد سياسيٍّ لغزو العراق وإزاحة صدّام.
إلّا أنّ بعض محاولات اغتيال الشخصيّة تخلق تعاطفاً مع الضحيّة في بعض المرّات كما حصل لكلارنس توماس ذي البشرة السمراء حين رُشِّح لمنصب مُشير في المحكمة العليا الأميركيّة. كانت جلسات الاستماع الخاصّة بتوماس قاسية وتركّزت حول اتّهامه بالتحرُّش الجنسي. في نهاية المطاف برّأ مجلس الشيوخ توماس، واعتُبِرت الهجومات عليه في إطار اغتيال الشخصيّة ليس إلّا.
بين الاتّهامات والإفتراءات والمبالغات والتشهير وإطلاق الشائعات، هناك فرصةٌ كبيرة لتدمير شخصيّة أحدهم، أو إرهاقه، وضرب ثقة الناس به، وتخفيف تأثيره الإيجابيِّ بين الناس، وصولاً إلى إعدامه معنويّاً.
من هنا أهميّة بقاء النقاش في دائرة العقل والمنطق والإثباتات، وهذا يجعل مهمّة المنتفضين والتغييريّين أصعب إذ عليهم أن يذهبوا إلى مراجع صادقة وثابتة وتجميع الأدلّة واللجوء إلى القضاء، وحتّى إلى الانتفاض والثورة على أن تبقى الثورة أو أصبع الاتّهام أو تسمية الأشياء بأسمائها دائماً إلى جانب الحقيقة.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات