النجاح .. كلمة صغيرة من حروف قليلة، لكنها تشغل بال الكبار واليافعين على السواء. النجاح في الامتحان المدرسي، النجاح في الامتحانات الرسميّة، النجاح في العلاقة العاطفيّة، النجاح في العمل، النجاح في علاقتك بمن هم حولك، النجاح في امتحان قيادة السيارة… كلّها مجالات للنجاح. ويمكنك أن تعدّد العشرات سواها من المجالات.
مع تقدّمك في العمر تدرك أنّ النجاح الأساس الذي يشمل بشكل أو بآخر كلّ مجالات النجاح الأخرى هو “النجاح في الحياة”. قبل سنّ الأربعين، أنت لا تدرك هذه الحقيقة بالشكل الوافي، لكن عندما تتقدّم نحو الخمسين، ومن هذه المحطّة نحو الستّين، تدرك إدراكاً أكثر وضوحاً أنّ مقياس النجاح في هذه الدنيا هو “النجاح في الحياة”.
والسؤال الذي يأتيك مباشرة بعد إدراكك لهذه الحقيقة الصعبة لا المرّة هو: “ما هو النجاح؟ ما هي مقاييسه؟ ما هي مكوّنات خلطته؟ وماذا يصنع النجاح؟ المؤهلات أم المقاربات”؟ ومن هذا السؤال أتدرّج إلى تساؤلات أخرى: “هل الحصول على شهادة الماجستير، وهي طبعاً من المؤهّلات، يخوّلك النجاح بشكل أفضل وتلقائي في مكان عملك؟ هل إتقانك أربع لغات مثلاً، وهذا من المؤهّلات أيضاً، يهيئك للنجاح في علاقتك الزوجيّة أكثر”؟ ويمكنك إضافة أسئلة أخرى كثيرة مشابهة لهذين السؤالين.
الشهادات الجامعيّة، اللغات، سنوات الخبرة، حقول الخبرة… كلّها مؤهّلات أقل ما يقال فيها إنّها باتت حتميّة في حياة الإنسان، لكنّها وحدها لا تؤمّن النجاح في الحياة.
في مجال العمل نقول عن بعض الأشخاص They Are Impressive on Paper، أي أنّ ما يبهرك فيهم هو ما كتبوه عن مؤهّلاتهم في سيرهم الذاتيّة أي الـ CV، لكنّك حين تعمل معهم تدرك أنّهم غير ناجحين حتى لا أقول أكثر من ذلك.
ما هي إذاً مقوّمات خلطة النجاح؟ للنجاح أربعة أركان على شكل مقاربات هي: الهدف Purpose، الشغفPassion ، التصميم Determination، والثقة Confidence .
تريد أن تنجح في زواجك؟ اسأل عن السبب، اسأل عن الهدف. فإذا كان الهدف هو “السترة”، أو التخلّص من العزوبيّة، أو التمتّع بثروة الشريك الماليّة، أو تحقيق الرغبة الجنسيّة، ستكتشف سريعاً أنّ زواجك غير ناجح. ما هو أهم من معرفة كيفيّة صنع الأشياء هو إدراك سبب صنعها.
الركن الثاني هو الشغف. الشغف هو ميل قوي نحو نشاط ما. الشغف أقوى من الحب. الشغف يجعل كلمة “الفشل” ممنوعة من الصرف في قاموس حياتك. الشغف يعطيك ما نسمّيه بالإنكليزيّة الـ Stamina أي القدرة على التحمّل. الشغف يُبقي الأدرينالين عالياً في ذهنك وجسدك. النجاح في أيّ مسيرة أو مسار أو علاقة يتطلّب شغفاً مثل هذا.
الركن الثالث هو التصميم. أنت ستتزوّج، لكن هل أنت مصمّم على النجاح في زواجك مهما حصل؟ أنت ستلتحق بكليّة الطب. عظيم. لكن هل أنت مصمّم على التخرّج فيها بنجاح حتى ولو امتدت مسيرتك الجامعيّة أربع عشرة سنة؟ التصميم بمعنى الـ Determination هو حالة أقوى من “القرار”. هو القرار معقود على العزيمة. أمّا التصميم بمعنى الـ Design فيحوّل قرارك بالنجاح إلى خطّة عمل.
والركن الرابع والأخير للنجاح هو الثقة. نعم الثقة بأنّ هدفك سيتحقّق. أوليفر نابوليون هيل، كاتب أميركي توفّي قبل أربعة عقود من الزمن قال: “كلّ ما يمكن لعقل الإنسان أن يتصوّره ويصدّقه، يمكن للإنسان أن يحقّقه”. الثقة هنا هي ثقة بقدرتك أنت على تحقيق الأهداف. فلا ارتياب، ولا تشكيك من نفسك بنفسك. هذه الثقة لا تعني أنّ الصعوبات غير موجودة وأنّك لا تشعر بها، لكنّها تعني أنّك قائم في حالة الشغف والتصميم، ومدرك أهدافك جيداً وأنّه لا عودة إلى الوراء.
النجاح في رأيي وفي رأي كثيرين، خصوصاً في هذا الزمن بالذات، هو مقاربات أكثر ممّا هو مؤهّلات علميّة وغيرها. أين أنت وأين أنا من هذه المقاربات التي تصنع النجاح وتحديداً: الهدف، الشغف، التصميم، والثقة؟
سمير قسطنطين