المرشّحون “قَتْل وضَرْب”. 1043 مرشّحاً ومرشّحة، و103 لوائح. رقمان سيدخلان كتاب غينيس. هما الأكبر في تاريخ لبنان. الشهيّة مفتوحة على مصراعَيها. “خير السنة ورِزْق جديد”. مرشّحو السلطة على اللائحة ذاتها يتقاتلون. داحس والغبراء. ومرشّحو المعارضة/الثورة أكثر من أن يُعدّوا أو يُحصَوا. نموذجُهم غير رائع.
لكن الشراهة عندنا لا تُغيّر حقيقة ما تُسمّيه الدول “البرلمان” أو “مجلس النواب” أو “مجلس الشعب” أو “مجلس العموم”. الأسماء مختلفة لمضمونٍ واحد. هو في النهايةِ سلطة تشريعيّة في الدول الدستوريّة، تتكوّن من أفراد يُطلق عليهم اسم النواب أو ممثلي الشعب. أوّل برلمان في التاريخ كان لجزيرة إيسلندا، فيما تُعتبر بريطانيا أكثر الدول عراقة في التشريع والديمقراطيّة، منذ أوّل ظهورٍ لبرلمانٍ فيها في القرن الثالث عشر.
دعنا من التاريخ ولننظر إلى المهنة. في بلدان العالم المختلفة هناك المعلّم والطبيب ومدير المصرف والنجّار وسائق سيّارة الأجرة، وهناك أيضاً “المُشرِّع”. المشرّعون يسنّون الدستور مصدر كلّ السلطات. لا وظيفة أخرى للنائب سوى التشريع والمراقبة والمساءلة. يدرس مشاريع القوانين التي تتقدّم بها الحكومة، ويذهب إلى جلسة التشريع الخاصة بقانونٍ ما في المجلس، يُدلي بدلوه ومن ثم يُدلي بصوته. من بعدها إمّا أن يصبح القانونُ سارياً على الكلّ بدءاً منه، أو يسقط مشروع القانون في المجلس. هذا دورُه. نحن ننتخبُه من أجل هذه المهمّة والتي من أجلها يسدّد دافعو الضرائب أجرَه. في المقابل، هو يشرّع القوانين التي تنظّم حياتهم وتدير علاقتهم بالدولة وببعضهم البعض، فتحميهم من الظالم والنصّاب والقاتل والمعتدين على حقوقه.
يحدثُ هذا في دول العالم. أمّا في لبنان فإنّ التشريع هو الدور الأقل أهمّية الذي يلعبه النائب اللبناني. التشريع Part-Time Job. النائب في لبنان نادراً ما يشارك في جلسةٍ تشريعيّة. حتّى في “أيّام اللولو ما هلّلولو”. وإذا شارك فلوقتٍ قصير. “حوّيص”. هو يُدرك أنّ التوافق السياسي هو الأهم، والمصلحة الانتخابيّة فوق كلّ اعتبار. قانون الرتب والرواتب للقطاع العام قبل سنوات يشهد على ذلك وعلى “خراب البصرة”.
فكيف يقضي النائب وقته إذا؟ هو يقوم بالواجبات. يزور مريضاً في المستشفى، ويشارك في دفن فقيدٍ، ويحضرُ في مجالس عزاء، ويلبّي وليمةً لا غنى عنها، ولا ينسى أن يمرّ ولو لدقائق قليلة على سهرة عرس إذ إنّ العريس “ما بيتهنّى إذا ما شافو”، ويشارك في حفلات تخريج طلّاب، وطبعاً يصل متأخّراً لأنّ مهمّاته كثيرة، “وهوّي بيثبِّت وجودو” إذْ لا لزوم لكي يبقى طوال الاحتفال. المهم أن يشرّفنا “وْنِحنا نْجِخّ فيه” أمام الناس. كذلك فهو يتابع أمر توظيف أبناء بلدته أو منطقته، طبعاً في القطاع العام لأن القطاع “جِسمو لبّيس”، ويذهب إلى هذه الدائرة أو تلك ويطلب خدمةً غير قانونيّة في معظم الأحيان لمناصرٍ غضنفر. ومن وقتٍ لآخر لا ينسى بأن “يْشَشْبِن” لعريسٍ من البلدة أو على الأقل أن يُعيرَه سيارة العروس. هذا ما يفعله نوّابٌ في بلادنا مع بعض الإستثناءات التي أحترم فيها نَفَسَها التشريعي، وعمَلَها المحترف، وتواضعَها، ونظافةَ كفّها، وعدم ادّعائها وطيبَ عجينتها.
بين مهنة التشريع في كل دول العالم وبين ما يفعلُه النائب في بلادنا مساحةٌ كبيرةٌ من علامات الإستغراب والاستفهام. عسى أن يقنعَني 15 أيّار بأنّ هناك فرصة حقيقيّة للتشريع والمراقبة والمساءلة.
سمير قسطنطين
الصورة من أرشيف النهار للزميل حسام شبارو
أحدث التعليقات