عباراتٌ ثلاث نسمعُها في مرّات عديدة، ونستعملُها أيضاً. قد نُدرك معناها وقد لا ندركه. ما معنى هذه العباراتPity, Sympathy, And Empathy أي الشفقة، الإحساس بالآخر، والتعاطف؟
الشفقة على شخصٍ ما أي الـ Pity هي حالةٌ سلبيّة وفوقيّة في آن. فمثلاً عندما تقول لشخصٍ أغاظَكَ “أنا بِشْفَق عليك كيف بَعْدَك بتفكّر هيك”، فهذه شفقة. فيها سلبيّةٌ وفوقيّةٌ. وفي بعض المرّات أنتَ توحي بالفكرة حتّى ولو لم تذكر العبارة. فمثلاً، عندما تقول لإمرأةٍ متزوّجة: “الله يعينِك على عقلات جوزِك”، أنتَ في الواقع لا تدعو لها بالعون بقدر ما تقول لها إنّك تشفق عليها بالمعنى السلبي للكلمة وليس بمعنى التعاطف معها.
في كلّ مرّة هناك شفقة، يكون هناك “ديناميكيّة القوّة” أي Power Dynamics. خُذ مثلاً كلباً يتوجّع. أنتَ تشفق عليه بمعنى الـ Pity لأنّ لنا فوقيّة على الحيوان. وهذه الشفقة التي نشعر بها إذا أتَت من إنسانٍ باتّجاه حيوان، تكون أقسى إنْ أتَت من إنسانٍ إلى إنسان. فالشفقة هنا بمعنى الـ Pity هي شعورٌ غيرُ مُحبّذ بين شخصين. هي “شفقة الكبرياء المُبَطَّن” إذا جاز التعبير.
في المقابل، الـ Sympathy أي الإحساس بالآخر هو شعورٌ غير سلبي بين شخصين، لكنّه ليس بالضرورة شعوراً إيجابيّاً. قد يأتيكَ أحدُهم قائلاً: “إبني مريض”. تُجيبُه أنتَ على الفور: “سلامة قلبو. أنا كمان إلي يومين مِشْ مبسوط”. في هذا الإطار الـ Sympathy هي إحساسٌ بالآخر من دون أن يكون شعورُك الشخصيُّ غائباً. شعورُك حاضرٌ وتُظهره لكن ليس بالضرورة بفوقيّة ظاهرة. قد تكون فوقيّةً غير مقصودة، فوقيّة ناعمة. هو شعورٌ بالحزن من أجل الآخر، وتذكيرُه في آنٍ بأن سبق لكَ أن عبَرْتَ أو أنّك تعبر الآن بما يعبر به هو.
الـ Empathy أو التعاطف يُظهره في كثيرٍ من الأحيان أشخاصٌ مثل المعلّمين والممرّضات والمُرشِدين المهنيّين الـ Career Counselors والمعالِجين النفسيّين الـ Psychotherapist. هذه المِهَن تُعلِّمنا أن نُظهر التعاطف أي الـ Empathy أكثر ممّا نُظهر الـ Sympathy. الإحساس بالآخر أي الـ Sympathy نكتسبُه في الحياة بسهولة بسبب علائقنا الاجتماعيّة وتربيتنا. أمّا التعاطف بمعنى الـ Empathy، فهو يوجب عليك أن تكتسبَه وتُنمّيه. هو من ضمن المهارات العلائقيّة التي تتطلّب منكَ العمل على نفسِكَ لكي تكتسبَها. في الـ Empathy أنتَ تضع كلَّ مشاعرك جانباً، لكنّكَ في الوقت نفسه، تتعلّم كيف تستعمل مشاعرك لتفهمَ الآخر موضوع اهتمامِكَ. هي تمثّل عمليّاً قدرتكَ على وضع نفسِك مكان الآخر أو ما نسمّيه بالإنكليزيّة To Put Yourself in Someone Else’s Shoes. هنا يكون السؤال المنطقيُّ لنفسِكَ هو: “إذا كُنتُ أنا مكانَه، كيف كُنتُ لأشعر”؟ أنتَ هنا لا تلجأ إلى اختبارك الشخصي لكي تتفهّمه، بل أنتَ تضع نفسك في مكانه هو لكي تتفهّمه. بذلك تكون الـ Empathy هي الشعور وراء كلمةI Understand أي “أنا أتفهّمكَ”. فإذا كُنتَ جالساً مع أحدِهم، تشاركه مشاكلَك وهمومَك، وهو جالسٌ معك يستمع إليك من دون أن يُشعِرَك بأنّه يشفق عليك، ومن دون أن يقفز إلى إخبارِكَ عن وجعِه هو وعن مشاكله المماثلة لمشاكلِكَ، فلا يكون لـ “أخباره” هو مكان في هذا التبادل للأفكار، بل إنّ كلّ ما يصدرُ عنه ساعتها هو كلامٌ من نوع “أنا أتفهّمك”، يكون التعاطف الـ Empathy هو الشعور الحقيقيُّ الذي يكتنف الحوار عندذاك. هي محاولة وضع نفسك مكان الآخر ومحاولة إيجاد حلٍّ.
إذا سمعتَ طبيباً يقول لمريضٍ متألّمٍ مُصابٍ بمرض صعبٍ: “يا حرام كيف صار هيك معك! خلّيني شوف كيف بدّي ساعدك”، فهذه هي الشفقة أي الـPity . أمّا إذا قال الطبيب للمريض نفسه كلمات من مثل: “عن جَدْ الوضع صعب. أنا بعرف جاري كان معو هيدا المرض وكان وضعو صعب كتير”، فهذا هو الإحساس بالآخر مترافقاً مع مقارنةٍ أي الـ Sympathy. لكن إذا قال الطبيب للمريض المتألّم: “ما بِقْدر قَدِّر قدّيش إنتَ مضايَق بس هيدا رقمي. بِقدِر تابع معك لما تكون مضايق، أوعا تتردّد تحكيني”، يكون الطبيب عندها في التعاطف أي الـ Empathy.
عباراتٌ ثلاث تختصر الكثير من المشاعر، تنقُلكَ من موقفٍ سلبيٍّ إلى موقفٍ وسطي فيه إيجابيّة فوقيّة، إلى موقفٍ إيجابيٍّ تعاطفيّ مع الآخر. أينَ أنت وأنا اليوم من هذه المشاعر وطرائق التعبير؟
سمير قسطنطين