قيل الكثير عن الأرقام والأحجام. عند المسيحيّين، حزب القوّات اللبنانيّة والتيّار الوطني الحر “معجوقان” بمقولة “بيّي أقوى من بيّك”، بدءاً بقراءة أعداد الأصوات التفضيليّة، مروراً بأعداد الحزبيّين الفائزين، وانتهاءً بمن كتلتُه النيابيّة أكبر. عند الشيعة، المناصرون “معجوقين” بعلامة 27/27 لأمل وحزب الله، ولا تكتمل الفرحة إلّا بمسيراتٍ سيّارة، ومقولة “شيعة شيعة”، وتصريح النائب محمّد رعد الذي لم يكن ضروريّاً. في رأيي، هذه عمليّات تجميل غير ناجحة، في عياداتٍ غير قانونيّة، لأجسامٍ غير قابلة للترشيق.
هناك خيارٌ ثالث هو خيار العقل. هذا العقل سينتَبِه إلى أنّ الثورة التي هزِئ منها السياسيّون واعتقدوا أنّها انتهت، قد غيّرَت الناس كثيراً. العقل سينتبه إلى أنّ مسيحيّين كُثُر صوّتوا للوائح الثورة حيث كانت هناك لوائح للثورة، وأنّ آخرين معترضين على أداء السلطة اقترعوا للائحة القوّات حيث لم تكن هناك لائحة للثورة. كان تصويتاً عِقابيّاً. العقل سينتبه إلى أنّ القوّات اللبنانيّة التي لم تصل إلى تسونامي ميشال عون في الـ 2005، ستجد نفسَها في مكان آخر بعد أربع سنوات، إذا لم تنتبه إلى أنّ الناس ليست “في الجيبة”. العقل سينتبه إلى أنّ حزب الله بدا حليفاً ثقيلاً لحلفائه السنّة والمسيحيّين والدروز، فلم تستطِع بيئاتُهم الطبيعيّة حمله. لا شكّ في أنّ الحزب كان مخلصاً وفعل المستطاع لرفد الحلفاء بالأصوات. لكن الحزب الذي زاد أرقام الناخبين الشيعة لحلفائه في الطوائف الأخرى، تسبّب بخسارة هؤلاء أصواتاً من بيئاتهم. هو أعطى بيد وأخذ باليد الأخرى. العقل سيُدرك أنّ الحزب الذي أراد أن يكون عابراً للطوائف فشل في هذا الرهان. فعندما يرسب فيصل كرامي في طرابلس وطلال ارسلان في عاليه ووئام وهّاب في الشوف وإيلي الفرزلي في البقاع ونائبَا التيّار في جزّين، وعندما يتقدّم خصوم التيّار عليهم بالأصوات التفضيليّة في أماكن كثيرة، فإنّ نظريّة الحزب العابر للطوائف تكون بحاجة إلى إعادة نظر. لا شكّ في أنّه كان كذلك في الـ 2006. العقل سيُدرك أنّ المجتمع المدنيّ أخطأ عندما لم ينتخب قيادة له. لو فعل ذلك، لكانت النتائج الجيّدة أصلاً، أكثر جودةً لصالحه. العقل سيدرك أنّ النسبة المتدنّية عند الشيعة تؤشّر إلى شيء، وكأنّي بقسمٍ منهم يقول “لن ننتخب ضدّ الثنائي لأنّ مفهوم المقاومة متجذّرٌ في الوجدان لكنّنا لن ننتخب لصالحه”. العقل سَيَعي أنّ النظام القائم انتهى وأنّ الطبقة السياسيّة التي أدارت شؤون البلد لثلاثة عقود لم تعُد تصلح لإدارته ولم تعد طريقتها تنفع. العقل سيدرك سريعاً أنّ الدرس الأساس الذي يتعلّمه الجميع هو حتميّة الإصغاء للناس وعدم احتقار صوتهم، وعدم اعتبارهم “تحصيل حاصل”.
لا أستبعد أن يكون وقت التسوية قد اقترب. ما حصل في العراق من تراجعٍ لحلفاء إيران، لم يحصل غصباً عنها. وأعتقد أنّ الإيرانيّين لم يكونوا بعيدين عن جوّ ما حصل في بيروت. عندما يحين وقت التسوية، تصبح الحالات أكثر نعومة. سماحة السيّد مرّر الرسالة العقلانيّة الأولى ليل الأربعاء بقوله: “السجالات لا تؤدّي إلى نتيجة… وقد يكون هناك مصلحة في عدم وجود أكثريّة في البلد”.
الأيّام المقبلة ستحدّد الخيمة التي سيجتمع تحتها الجميع، وميزان الصلَف والتواضع، وما إذا كان العقل سيصبح خيار الضرورة عند الجميع.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات