كلُّنا نحلم بأن يكون ولدُنا “قويّ الشّخصية”. لكن هل سألنا أنفسنا مرّة ما إذا كان فعلاً هناك أولادٌ “ضعفاء الشّخصية” وآخرون “أقوياء الشّخصيّة”؟ هل يحقّ لنا أن نستخدم عبارات تصنيفيّة؟ طبعاً كُلُّنا نتمنّى أن نربّي أولاداً “أقوياء”، لا “ينكسرون” بسرعة، لا “يبكون” بسهولة، لا “يُظهرون ضعفَهم” في أمور حياتيّة صعبة. لكن نحن لا يحقُّ لنا أن نُصنِّف ولدنا، وأن نطلق عليه عبارات مثل: “ليش عم تبكي؟ هالقد إنتَ ضعيف؟”، “إنتي ما بتعرفي تتصرّفي وتكوني قويّة”، “إذا بترجع على البيت “آكِل أتلة”، أنا كمان رح “طعميك أتلة”. هذه العبارات تُدمِّر الولد ولا تُقوِّي شخصيَّته. قد تعتبرون أن هذه العبارات هي عبارات “الحب القاسي”، Tough Love الّذي يقوِّي شخصيّة الولد ويجعلُه أشدّ وأقوى، لكن في الحقيقة إنّها عبارات مدمِّرة.
هل ضُعف الشخصية عند ولدي أمرٌ حقيقي؟ الولد الضعيف الشخصيّة، خجولٌ بشكلٍ مُفرَط، ينتقد ذاته، يقسو عليها، قليل المثابرة، يتردَّد في اتّخاذ القرار ويلجأ إلى أحدٍ ما، يتجنّب المواجهة في حالات التَّنمُّر والاعتداء عليه، يشعر بأنّه ليس بمستوى الآخرين، يتذكّر الأوقات التي يفشل فيها أكثر ممّا يتذكّر أوقات النّجاح، يفتقر إلى المرونة النفسيّة، ويتبع أقرانه بشكل أعمى. هو لا يصل إلى هذه الحال من دون وجود أسباب أساس لذلك. وهنا أسألك كأبٍ وكأمٍّ: هل كان تشجيعُك له ضعيفاً في فترة الطّفولة؟ هل كنتَ تنتقدُه بطريقةٍ مفرَطة، فكَوّن بالتالي صورةً سلبيّة عن نفسه؟ هل حمَيْتَه عن غير قصد فخنقتَ ثقتَه بنفسه وأبْعَدتَه عن الاستقلاليّة؟ هل قلقتَ عليه، ونقلتَ مخاوفَك إليه فأصبح خجولًا؟ هل قارنتَه بشكلٍ سلبيٍّ فأبرزتَ نقاط القوّة لدى أحد الاولاد مقابل إظهار نقاط الضعف عنده؟ هل كانت توقّعاتُك منه غير واقعيّة ففشلَ هو في تلبية توقّعاتك منه، وتعرّضَت بالتالي ثقتَه بنفسِه لضربةٍ شديدة؟ هل حظَّرتَ عليه التعبير عن مشاعرِه فكبتَها، ظناً منك أنّك تقوّي شخصيّته؟
كيف نبني ولداً مَرِناً وقويّاً فكريّاً؟ تخيّل أنّك تبني سيارة وتريد لهذه السّيارة أن تكون الأقوى والأمتن والأسرع. ماذا تختار لهيكلها الخارجي؟ وجدَتْ الشركات الكبرى لتصنيع السّيارات أن السّيارة الأقوى هي التي، وإنْ تلقّت ضربة وانكسرت وأصبحت في حالة سيّئة من الخارج، فإنّها تخفّف من قوّة الصّدمة على السائق والركّاب. هذا ما يُعرَف بالـShock Absorbers . هذا يعني أنّ منظرَ السّيارة الخارجي قد يكون مُهشّماً ولكن الدّاخل جيِّد وآمن. هذا ما نريد أن نبني لأولادِنا. لذلك عندما تريد أن “تبني” ولداً “قويّاً”، ركِّز على الدّاخل وليس على الخارج فقط، فيكون فكرُ الولد “قويّاً”، “مرِناً”، “مستوعِباً”. الدراسات أثبتَتْ أنّ الأولاد “المتنمِّرين” أي الّذين يظهَرون بمظهر الأقوياء هم الأكثر ضعفاً داخليّاً. الظهور بمظهر القوي أو المتنمِّر يساعد الولد على إخفاء نقاط الضعف في داخله.
لذا من الأفضل لنا ولأولادنا أن نستبدل كلمة “أقوياء” Tough بكلمة “مرِنين” أي Resilient . الولد المَرِن هو الذي يعرف كيف يتلقّى الصّدمات، ويواجه المصاعب، ويقف على رجليه مجدّداً أيTo Bounce Back. أنتَ تبني ولداً مرِناً و”قويّاً فكريّاً” عندما تعمل على تعزيز ثقته بنفسه، وتشعِرُه باحترامك لشخصِه وتقديرك لآرائه. تجنَّب التركيز على نواقصِه وصِفاته “السلبيّة” وساعِده على اكتشاف ما لديه من هوايات وقُدُرات واعملا سويّاً على تنميتها. نَمِّ قُدُراته في حلّ المشاكل واتّخاذ القرارات، واعطِه الفرصة ليعبّر عن آرائه واختياراته. أعطِه مسؤوليّات في الأسرة ليتعلّم منها، فيكتسبَ الإستقلاليّةAutonomy . تجَنَّب تأنيب ولدك على خطأ اقترفه، بل ساعِدْه في فهم الخطأ وكيف يمكن إيجاد حلٍ أفضل.
فمثلاً، إذا كان عمر ابنك 14 سنة. رفاقُه في الصفِّ يريدون تمضية ليلة رأس السّنة في أحد شاليهات فاريا. أنت غيرُ مرحِّبٍ بالفكرة. كيف تصل معه إلى النّتيجة المرجوّة من دون اللجوء إلى الصّراخ والممانعة التّامة؟
وإذا كان عمر ابنتُكِ 7 سنوات. هي مدعوّة إلى عيد ميلاد صديقتِها. حضَّرتِ لها ملابس تناسب الإحتفال. لكنّها فضّلت أن تستبدلَها بألوان فاقعة قد تتسبَّب بإحراجِكِ. إبنتُكِ تصرُّ على اختيار ملابسَها بنفسِها وأنتِ غير مرحِّبة بالفكرة. كيف تصلين معها إلى النّتيجة المرجوّة من دون التصادم؟ لمَ لا تضعين خطّة لتنمّي لديها المهارات الإجتماعيّةSocial Skills من مثل حسن الاستماع والحوار، وتقبّل النقد البنّاء، واختيار الأصدقاء الجيّدين؟ المهارات الاجتماعيّة تُساعد ولدنا على تعزيز ذكائه العاطفي، أي فهم مشاعره وضبطها وإدارة علاقتِه مع الآخرين. شجِّع ولدَك على عدم كتمِ مشاعره، بل التّكلُّم عنها بموضوعيّة.
ابن السبع سنوات قد يضرب أختَه إذا أخذَت منه اللعبة. عندما تدرّبه على ضبط النّفس وتُفهِمهُ عن سيّئات الضرب، يبدأ باستيعاب هذه التقنيّات ويتصرّف على أساسها. أمّا إذا ضربتَ ولدك الصغير بعد أن ضرب أختَه، أو عاقبتَه من دون إفهامه خطأه وكيفيّة التعامل معه، قد يصبح مراهقاً وهو لا يزال يضرب ويؤذي من يؤذيه أو حتى أنّه قد يؤذي أيّاً كان. شجّعه على رياضة الدّفاع عن نفسه المُفيدة، والتي تساعدُه على بناء ثقةٍ بأنّه قادر على حماية نفسه. ووَفِّر له بيئةً أُسريّة مستقرّة فيها الاحترام المتبادَل بين أفراد العائلة.
فإذا كان إبنك يبلغ من العمر 12 سنة. يبكي لأيِّ موقف، ولا يتقبّل الإنتقاد. هو متميّز في دراسته. رفاقُه في الصّف لا يحبّون اللّعب معه، وهو ولكي يحظى بصداقتهم، يتنازل دوماً عن حقّه ويخضع لهم. إسأل نفسك “كيف أستطيع ان أساعد ولدي في تعلّم المهارات الإجتماعية ليكسب القبول بين الآخرين”؟
إذا كان إبنك يبلغ من العمر 6 سنوات. يعيش في منزل يتخبّط فيه أخوه مع مرضٍ مزمن يقوده من مستشفى إلى آخر ومن علاج إلى آخر. أنتَ تكرّس لولدِك المريض الكثير من الوقت بطبيعة الحال. لكنّك لاحظتَ مؤخّراً أن الصّغير قد نمّى إحساساً كبيراً بالخوف، فهو يمتنع عن اللّعب مع باقي الأطفال في الملعب، بالكاد يتحدّث مع أصدقائه، ويُفضِّل البقاء في غرفته منعزلاً، أو أمام الشاشة. بالكاد يتكلّم ونادراً ما يضحك. أسأل نفسكَ الآن: “كيف أستطيع أن أساعد ولدي في استعادة فرحِه وحبّه للحياة”؟
وإذا كان لديكَ ولدٌ عمره تسعُ سنوات، يُحب الرسم والتعبير الفنّي. لا يتمتّع بمهارات علميّة مثل أخيه الذي يتفوّق في الحساب والعلوم وسائر المواد، فينال إعجاب الآخرين، مما يُشكّل عقدةً لدى ولدكَ الأوّل الذي يُقارَن دوماً بأخيه، ويزيد عنده الشعور بعدم الكفاءة. إسأل نفسكَ “كيف أستطيع أن أساعد إبني هذا على تقوية ثقته بنفسه وبقدراته”؟
منذ الولادة، يتعلّم الأطفال أن يعتمدوا على والديهم لحمايتهم ورعايتهم. الأهل يساعدون الأطفال على بناء معارفهم ومهاراتهم وصقلِها، كما يساعدونهم في تطوير حياتهم منذ الطفولة. بمقدورك أن تختار العلاقة التي تريد أن تبنيها مع ولدك. الأمر في يدك! تنمية شخصيّة ولدك مسؤوليّتك أنتَ. لا تستطيع أن تكون حياديّاً في أمرٍ كهذا.
سمير قسطنطين