عندما انتهت الانتخابات النيابيّة شعر المواطنون التغييريّون بالانتصار الذي لو آمنوا فيه فعلاً وسَلَفاً لكان أكبر. عند انتهاء جلسة هذا الأسبوع، لم يكن هذا الشعور بالزخم ذاته خصوصاً وأنّ الأحزاب أوحَت بعد الجلسة بأنّ التغييريّين هواةٌ وبأنهم بحاجةٍ إلى “فَتْ خِبِزْ”. إنتقدوا أداء التغييريّين أكثر ممّا انتقدوا تحالف حركة أمل والتيّار الوطني الحر الذي أمّن نتيجةَ الـ 65 صوتاً للرئيس برّي، ومِثلَها للنائب الياس بو صعب. إنتقدوهم أكثر ممّا انتقدوا دعوة الوزير جنبلاط لمقاومة ما أسماه “مشروع سوريّا وإيران” في وقتٍ صوّت الحزب التقدّمي الاشتراكي للرئيس برّي حليف الدولتَين.
لكنّي أعتقد أنّ شكل التغيير كان واضحاً جدّاً في جلسة انتخاب الرئيس ونائبه ومكتب المجلس. المجلس قال لنا إنّنا ذاهبون إلى مكانٍ آخر. كثيرةٌ هي الأشياء التي تغيّرت. “دبكة” الخارج لم تُشبِه “لَبْكِة” الداخل. في قيادة الجلسة شمل التغيير محطّاتٍ عديدة من “خَبطةْ” المطرقة المعهودة إلى “صُدِّق”، ومن الامتناع عن قراءة ما كُتِبَ في الأوراق المُلغاة إلى قراءتها بصوتٍ عالٍ. التغيير كان واضحاً بعدم قدرة التيّار الوطني الحر وحركة أمل أن يعلنا عن تحالف تحت الطاولة وهما المعروف عنهما أنّهما يلعبان “عَ المكشوف” عادةً. عِلماً أنّي سألتُ نفسي أكثر من مرّة هذا السؤال: “إذا كان التيّار الوطني الحر وحركة أمل براغماتيَّين بما فيه الكفاية ليترشّحا على لوائح انتخابيّة واحدة في كلّ المناطق المشتركة، وإذا كانا عقلانيَّين لدرجةٍ أنّهما أمّنا أصوات الفوز لكلٍّ من رئيس المجلس ونائبه، فلماذا لا يفعلان ذلك في الأمور التي تعود فائدتها على كلّ الوطن وليس على الحزبَيْن فقط من مثل ملفّ الكهرباء تحديداً”؟ ألا يُريح البلاد والعباد وعين الرمّانة التوقّف عن مناكفاتٍ تستعر قبل الاتّفاق تحت الطاولة وبعده؟
أليس ضروريّاً أن يكون التغييريّون في موقع إدارة المجلس؟ لا أعتقد. فموقع نيابة الرئاسة يشبه “بورتريه” أبو عنتر في عبارته الشاميّة المشهورة في مسلسل “صح النوم” وهي “ماله فكاهة ولا مازّيه”. لا داعي للمنصب الذي لا صلاحيّات له، مثله مثل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء.
في ما حصل، أنتَ لا تستطيع أن تقرأ أكثريّات، فكلّ التكتّلات مهزوزة وأكثرية الـ ٦٥ هي أكثريّة غير مستقرة. ولا أعتقد أنّه كان لدى السلطة حاليّاً أي معركة أهم من انتخاب الرئيس برّي، وقد حصل ذلك. حزبُ الله يهرُب. لا يريد أن يستلم حجراً يحرقُه. لا أحد يريد استلام السلطة. النواب الجُدُد، تغييريّون ومستقلّون حقيقيّون، هم المستقبل. سيكون الأمر أوضح في مقبل الأيّام. المسار صار في مكان ثانٍ. بقيَت أسماءٌ كثيرة لأحزابٍ وأشخاص لكن “راح المفعول”. الأحزاب من الآن فصاعداً ستكون “نطّاطة” بمفهوم الـ tremplin للتغييريّين. الأحزاب غير قادرة على أخذ خطوات للأمام. هو زمن المفاجآت غير المفاجِئة. فالمسيحيّون خسروا الريادة في التغيير على مساحة الوطن. يكفي أن تنظر إلى أعدادِ المقترعين في زحلة مثلاً. هي تشهد لذلك! السُنّة كانوا روّاد التغيير. مع ذلك، فإنّ الأحزاب المسيحيّة ستجد نفسها في مكانٍ إمّا تلتحق كجماعةٍ بمفهوم تغيير النهج، أو سترى بعض الأحزاب بعض نوّابها وقد التحقوا بمنطق التغيير. قد لا تنجح المعارضة كلّ النجاح مؤقّتاً، لكن من المؤكّد أنّ النظام غيرُ باقٍ. البدايات هي دائماً كذلك. التغيير لم يدرْكه كثيرون بعد.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات