يكثُر الكلام هذه الأيّام عن “الخطّ” 23 و”الخطّ” 29. مزايدات، عنتريّات، تَذاكٍ في ما يُقال وما لا يُقال. كلامٌ يُشبه كلّ شيء إلّا التفاوض ومهارات التفاوض الـ Negotiation Skills.
اللبنانيّون والخطوط في علاقةٍ جدليّة هزليّة مذْ أن كان البلد وكُنّا، وتحديداً منذ اندلاع حرب الـ 1975. عندما كُنّا صغاراً درسنا في الجغرافيا أنّ لبنان يقع على “خطّ” زلازل. مرّت الأيّام فاكتشفنا أنّ في لبنان “خطوط” تماسٍ أقوى من الزلازل، بدأت مع حرب السنتين ولم تنتهِ فصولاً بعد. في منتصف التسعينات دخل إلى الاقتصاد اللبناني مُنتجٌ جديد هو الهاتف الخليوي وخدمةٌ جديدة هي التخابر عبر الـ Cellular. عندها بِتنا نسمع بما عُرف بالـ “خط” الثابت والـ “الخط المُسبق الدفع” و”خط” التشريج. بعد الحرب، بدأ لبنان يتعافى وامتدّت شبكات الكهرباء والماء والإنترنت والهاتف شمالاً وجنوباً. حصلت مشاكل كثيرة لكنّها كانت تُحلُّ بشيء من المزايدات والتقلّبات في الرأي. هل تذكرون “خطّ” التوتّر العالي في المنصوريّة؟ بعد حرب الـ 2006 برز “الخطُّ” الأزرق الذي قرّرته الأمم المتّحدة كحدٍّ فاصل بين لبنان وفلسطين المحتلّة. قبل الحرب وبعدها، تنقّل البعض بين الخطوط السياسيّة والبعض الآخر لم يزِح عن الخط. الوزير فرنجيّة كان شديد الحرص دائماً على الحفاظ على “الخط” العروبي. غيرُه تنقّل من الذوبان في الخطّ السوري إلى مهاجمة سوريّا بعنف. منذ سنوات قليلة بدأ اللبنانيّون مسيرة انحدارهم نحو الفقر وتحديداً منذ الـ 2012 حين بدأت مؤشّرات البنك الدولي حول اقتصادنا تتحدّث عن أرقامِ نموٍّ سلبيّة إلى أن وصل الشعب إلى ما تحت “خطّ” الفقر. في كلّ هذه المراحل كانت هناك خطوطٌ حمراء. في زمنِنا هذا، وبالنسبة إلى حزب الله، فإنّ سلاحَه “خطٌّ” أحمر. وبالنسبة لخصومه، فإنّ إبقاء قرار السلم والحرب في يد الدولة هو أيضاً “خطٌّ” أحمر. عندما تأزّمت مسألة الكهرباء تدخّل الأميركيّون لإحياء “خط” الغاز العربي إنطلاقاً من مصر بعد 11 عاماً على توقّفه، ما أعاد الأمل لإعادة إنارة مرافق البلاد. لكن الظروف السياسيّة المتقلّبة منذ ذاك الحين والتي أدّت في حينه إلى توقّف المشروع، تُبقي الآن التنفيذ بعيداً. اللبنانيّون “معجوقين” هذه الأيّام بـ “خطِّ” السفر والهجرة والـ “خطوط” الجويّة اللبنانيّة وغيرها من شركات الطيران. لكن ماذا سيحدث في مقبل الأيّام؟ الأمر يُشبه قراءة “خطوط” الكفِّ. كثيرٌ من التخمينات والتحاليل وقليلٌ من المعلومات. أسأل نفسي في بعض المرّات: “هل يحفظ اللبانيّون “خطّ” الرجعة في ما يُقدِمون عليه من تهوُّر وإمعانٍ في تخريب البلد؟ هل من الممكن أن نصل إلى مرحلةٍ لا يعود التعافي ممكناً حتّى ولو كانت مقوّماته متوافرة”؟ هل “خطوط” التواصل ستبقى مقطوعة، أم أنّ الزمن هو زمن الإكثار من تجربة “الخطّ” الساخن بين الذين لا يتواصلون الآن لإنقاذ البلاد والعباد؟
يدفعُني أمرُ اللبنانيّين المتنقلّين بين خطّ الزلازل والخطّ الساخن مروراً بالخطّين 23 و29 وخطّ التماس والخطّ الخليوي وخطّ التوتّر العالي والخطّ الأزرق والخطّ العروبي والخطّ السوري وخطّ الفقر والخطوط الحمُر وخطّ الغاز العربي والخطوط الجويّة اللبنانيّة وخطوط كفّ اليد وخطّ الرجعة وخطوط التواصل، يدفعني إلى السؤال: “هل سيبقى قدرُنا العيش بين الخطوط وفوقها وتحتها أم حان الوقت للإنتقال إلى المدى الأوسع”؟
سمير قسطنطين