منذ ثلاث سنوات واللغط دائرٌ حول الأقساط في المدارس الخاصّة التي تتعرّض لهجمات عنيفة من الأهل على السوشال ميديا. تقرأ عبارات مثل: “هودي حراميّة”، “الله لا يشبعن”. ولعلّ المدرسة الكاثوليكيّة تعرّضت أكثر من سواها للهجمات لسببين على الأقل: الأوّل هو أنّ مجموعة المدارس الكاثوليكيّة هي الأكبر بين مجموعات المدارس مثل المقاصد وأمل والمهدي والعرفان وغيرها. والسبب الثاني يعود إلى توقُّع الناس من هذه المدارس ما لا تتوقّعه من غيرها، فتستغرب أنْ تعمد مدرسةٌ كاثوليكيّة إلى رفع أقساطها أو إلى استيفاء قسمٍ منها بالدولار الأميركي.
وفي هذا السياق أودُّ أن أُضيء على نقطتين، الأولى هي صحيحٌ أنّ مجموع المدارس الكاثوليكيّة في لبنان هو 320، لكن هل تعلم أنّ 89 مدرسة منها هيَ مدارس مجّانيّة لا يحقُّ لها أن تحدّد القسط الذي تريده، وبالتالي لا داعي للقول إنّ هذه المدارس، ونسبتُها 27% من مجموع المدارس الكاثوليكيّة، تخسر الكثير من المال. وهناك أيضاً 19 مدرسة مهنيّة وتقنيّة، تقع تحت خسارة كبيرة في معظم الأحيان بسبب ندرة المسجّلين فيها فتُضطر الجهات المالكة إلى تغطية العجز من مصادر أُخرى. تبقى هناك 212 مدرسة كاثوليكيّة خاصة غير مجّانيّة تقدّم البرنامج الأكاديمي. لكنّ الرقم الصادم هو في مكانٍ آخر. هل تعلم أنّ 108 مدارس من أصل الـ 212 مدرسة فيها أقل من 200 تلميذ وتلميذة، وهي بالتالي عاجزةٌ عن تأمين مداخيل المعلّمين لولا تدخُّل المُحسنين والجهات المالكة لهذه المدارس؟ وهل تعلم أنّ عدد المدارس التي يتراوح عدد تلاميذها بين الـ 200 والـ 500 تلميذ هو 101 مدرسة لا تستطيع أيٌّ منها”إنّو تقيم بحالا” بالأقساط القديمة وحتّى المعدّلة عندما يكون عدد تلاميذها تحت مستوى الـ 500 تلميذ. يعني هذا الكلام أنّ عدد المدارس الكاثوليكيّة المجّانيّة والمهنيّة وتلك التي تضم أقل من 500 تلميذ بات اليوم 208 مدارس من أصل 320.
المدارس الكاثوليكيّة هي في المأزق. لماذا هي في المأزق؟ هذا موضوع يجب أن يُناقش بموضوعيّة كبيرة وصفاء ذهن. إذاً يبقى أمامنا 112 مدرسة تستوفي أقساطاً ويتراوح عدد تلاميذها بين الـ 500 تلميذ وما يفوق الـ 2000 تلميذ، 60 منها يبلغ عدد التلاميذ فيها بين الـ 500 والألف تلميذ وهي نسبيّاً لا تُعتَبَر كبيرة الحجم.
يأتي هنا موضوع استيفاء الرسوم للعام المقبل. ماذا تحاول المدارس المتوسّطة والكبيرة أن تفعل؟ هي تحاول ألا تنهار. لذا اعتمدت أقساطاً تبلغ في حدّها الأقصى 25% ممّا كانت عليه قبل ثلاث سنوات. لماذا؟ لسببين أساسيّين، الأول هو وقف هجرة المعلّمين الجيّدين، والثاني هو تسديد ثمن المحروقات المرتفِع بشكلٍ جنوني.
لا شكّ في أنّنا جميعاً في الأزمة، أهلٌ ومعلّمون، ومؤسّسات تربويّة. قد تقول إنّ كثيرين من الأهل لن يستطيعوا تلبية الـ 25% ممّا كان عليه القسط. هذا صحيح. هذه الأزمة تحتاج إلى دولةٍ لتحلّها. نحن نريد الحلول من المدارس لكنّ المدارس المتوسّطة الحجم والكبيرة منها، إن لم تعُد إلى الـ 25% من القسط القديم، لن يدخل أُستاذٌ من معلّميها إلى الصفوف السنة المقبلة، ولن تقوى على إدارة ماليّتها في ظلِّ أزمات محليّة وعالميّة أتت في الوقت ذاته، تماماً كما يقول المثل المُترجَم عن الإنكليزيّة “لمّا بتشتّي بِتْطوف”.
سمير قسطنطين