علّمتني الأيّام ألا أُدافع عن أيِّ شخصٍ يتعاطى الشأن العام أعسكريّاً كان أم نائباً أم وزيراً أم رئيساً أم حاكماً لمصرف. سبب ذلك واحدٌ وهو أنّي قد عِشتُ ما فيه الكفاية لأرى شخصيّات “نَقَلَت البارودة” بين ليلة وضحاها.
تتورّط أنتَ معهم عاطفيّاً. “بتِتْخانَق” مع أهل بيتكَ دفاعاً عنهم وعن نقائهم ووطنيّتهم وحكمتهم، وإذا بكَ تراهم بعد سنواتٍ وقد تغيّروا تغيُّراً كاملاً. بدّلوا تحالفاتهم وخطابهم السياسي وقضيّتهم. لم يفعلوا ذلك بسبب النُضج السياسي والعاطفي والوطني بل من أجل مشروعِ سلطةٍ. من أجل ذلك، “ما بْتَعِّبْ بقى راسي” بالدفاع عن هؤلاء. هذا لا يعني أنّي أهوى الهجوم عليهم بالشخصي. طبعاً لا، لكنّ عمليّة اتّباعهم لم تعدْ تَقول لي شيئاً وإن كُنتُ في داخلي أحترم قسماً منهم.
لكنّي شعرتُ منذ أسابيع بأنّي راغبٌ في الكتابة عن قائد الجيش العماد جوزاف عون. إطمئنّوا لن أُدافع عنه، فأنا لم أُغيّر قراري. لكنّي شعرتُ أنّ الحملةَ عليه غيرُ موفّقة. فتارةً يُتَّهم الرجل بأنّه وسّع المطارح لجماعة أميركا في اليرزة، وطوراً يُتّهم بأنّه “يمشّط” لذقنه في موضوع الرئاسة. وفي ظروفٍ معيّنة طُلِب إليه مِن قِبلِ وزراء عدم التوقيع على معاملات قيادة الجيش. لم ينطق بكلمة. بقي إبن مؤسّسة تُرفع لها القبّعات. وفي كلّ المرّات يتعرّض للتساؤل. فإذا ضرب الجيش تجّار الحشيشة، يُسرعون للسؤال: “لماذا في هذا التوقيت”؟ وكأنّ ضرب الزعران يحتاج إلى توقيت. يُمضي الزعماء اللبنانيّون قسماً من وقتهم وهُم يدينون حوادث الإعتداء على الجيش، ويتهّمون الدولة، وكأنّ الدولةَ هي سواهم، بأنّها مقصّرة في فرض الأمن، ويدعونها للضرب بيدٍ من حديد. وعندما يستجيب الجيش لهذا الطلب، يسارع بعض هؤلاء إلى التساؤل (من “سآلة” هذه المرّة): “لماذا الآن”؟ ماذا تتوقّع مثلاً؟ أن يدعو الجيش هؤلاء المارقين إلى وليمة عشاء في “الفينيسيا” مثلاً؟
منذ فترة وأنا أُراقب الرجل، قائد الجيش. أعتقد شخصيّاً بأنّه إمّا غير مُهتمٍّ بموضوع رئاسة الجمهوريّة وإمّا هو ذكيٌّ جدّاً. أنا لا أدّعي معرفة الجواب، لكنّي لا أملكُ رأياً ثالثاً. لم يأتِ على لسان الرجل ما يوحي بأنّه مهتمٌّ بالرئاسة. غيرُه تحدّث عنها ومنذ زمنٍ طويل. طبعاً هُم أحرار. لكلّ امرئٍ طريقتُه ورأيُه. ولم يتصرّف الرجل بطريقةٍ توحي بأنّه يحاول استقطاب الانتباه أو استجلاب التأييد أو شحذَ الرضى. تصرُّفُه طبيعيٌّ جدّاً. كلامُه القليل بسيطٌ جدّاً، ومن الواضح أنّه غير منحازٍ إلّا إلى لبنان. لم يسمع أحدٌ عنه كلاماً يتعلّق بالصفقات أو بالفساد أو بالطائفيّة أو بِهَوَس السلطة.
هل في كلامي إشارةٌ إلى صلاحه ليكون رئيس الجمهوريّة؟ هذا ليس شأني هنا. لم أقل إنّه المرشّح الأفضل. لا بل قُلتُ لا أدري إن كانَ هو مهتمّاً فعلاً بموضوع الرئاسة. وإذا كان كذلك، فلا شكّ في أنّه يسير “عَ الهَدا”.
لو كُنتُ من الذين ينتقدونه، لم أكُن لأُعلّق على ما يقوم به الجيش، ولا كُنتُ وجّهتُ سهاماً بالمباشر وغير المباشر صوب قائد الجيش. لعلّي كُنتُ قدّمتُ للناس بدائل. لعلّي كُنتُ حملتُ مشروعاً للبنان وتحديداً لتعزيز السيادة وقطع دابر الفساد. ما كُنتُ سمحتُ لنفسي أن أُركّز على ما يفعله قائد الجيش وما لا يفعله. كُنتُ أعددتُ شيئاً كبيراً من أجل لبنان، وذهبتُ بكلّ قواي لأنفّذه.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات