في علاقاتك بالناس تشعرُ أحياناً بأنّ أموركَ “مِش زابطة” مع أحدِهم. هذا طبيعيٌّ ومن ضمن السياق العام الطبيعي للعلاقات الإنسانيّة. لا يُشكّل الأمرُ مشكلةً. لكنّ الأمر لا يقف عند هذا الحدِّ لدى البعض. تراهم غيرَ مرتاحين في معظم علاقاتهم المجتعيّة والمهنيّة والعائليّة.
كيف تعرف ذلك؟ أنتَ تُدركُ هذا الأمر عند سماعِكَ طوال الوقت عبارات تعميميّة مثل هذه: “ما بقى في وفا”، “كل واحد بيعمِل مصلحتو”، “أنا ما بوثق بحدا”، “كل واحد صاير يا رب حالي”، “الأقارب عقارب”. إذا كُنتَ تسمع كلاماً من هذا النوع تكراراً من أحدهم، أو إذا كُنتَ أنتَ تستعمِلَه، فاعلمْ أنّ الأمرَ لا يتعلّقُ بالآخر بل بكَ أنتَ شخصيّاً. المشكلة هي أنّك غيرُ مرتاحٍ “مع حالك”. لا توجد صداقةٌ بينك وبين نفسِك. “إنتَ مْخَربَط من جوّا”، والأمرُ مرتبطٌ بتقديرِك لذاتكَ. إن كانت مشاعرُك سلبيّةً تجاه نفسك وتجاه الحياة من حولك فهناك احتمالٌ كبير أنّ يكونَ تقديرُك لذاتِك متدنياً.
ما هو تقدير الذات؟ وكيف أعرف إذا ما كان مستواه عندي مقبولاً؟ ببساطة كاملة، يعبّر تقدير الذات عن رأيك الخاصّ في نفسك. إذا كُنتَ مرتاحاً في علاقتِكَ بنفسِك قبل أن تكون مرتاحاً مع الآخرين، فأنتَ ستتقبّل نفسكَ كما هي، وإنْ سعيتَ كلّ يوم لتطوير مهاراتكَ، وستكون سعيداً بنفسِكَ، وستستمتِع بحياتكَ الاجتماعيّة، وتشعر بأنّك ذا قيمةٍ وأنّ هناك آخرين يحتاجون إليكَ. عندها يسهل عليكَ تقبُّلُ النّقدِ من دون أن يؤثّر في حالتكَ المعنويّة، ويسهل عليكَ أيضاً أن تعترفَ بعيوبكَ وأخطائك، ولن تجدَ صعوبةً في أن تُعبِّر عن مشاعرِكَ الحقيقيّة، أو أن تُعبّر عن وجهةِ نظرك بسهولة ويُسرٍ.
وإذا كُنتَ غير مرتاحٍ في داخلِكَ لما أنتَ فيه، ستشعرُ بأنّك في حاجةٍ أن يقولَ الناسُ عنّك إنّك كفوء في أداء عملكَ. وستختلف أمورٌ أخرى عن السياق الطبيعي. ففي بعض الأحيان أنتَ لن تحبَّ نفسَك فلا تشعر بأنّكَ مثل باقي الناس، لا بل تشعر بأنّكَ مختلفٌ عنهم أو أقلّ منهم، وأنّك غير محبوبٍ ولستَ موضع احترامٍ في محيطكَ. من الصعب عليكَ في هذه الحالة أن تكون لديكَ قدرة كافية لصنعِ علاقاتٍ جيّدة في وقت قصير، إذْ غالباً ما تشعر بالإحراج في المجتمع.
الشخص الذي يعاني من تقديرٍ منخفض للذات مفرطُ التفكير، يخاف من مواجهة التحدّيات، ويقلق من عدم قدرته على التغلُّب عليها. وعلى الرّغم من أنّه قاسٍ على نفسه، إلّا أنّه متسامح مع الآخرين. في مرّات كثيرة، يعاني الاضطرابَ العاطفي ونوبات القلق والخوف المتكرّرة. ففي حال كان تقديرك لذاتك متدنياً، فأنت على الأرجح تعاني من العديد من المشكلات والمشاعر السلبيّة المرتبطة بانعدام تقدير الذات، والتي قد تؤثّر بشكلٍ كبير في كلّ شيء في حياتك بدءاً من مسيرتِك المهنيّة ووصولاً إلى علاقاتك الأسريّة وحياتِك الشخصيّة. لكن إنْ كُنتَ تمتلك تقديراً صحيّاً لذاتك فأنت تمتلك بلا شكّ مشاعر إيجابيّة حول قدراتك الشخصيّة ونظرة مشرقة عن الحياة بشكل عام.
ولكي تتأكّد أكثر ما إذا كُنتَ بالفعل مرتاحاً مع نفسك، إسأل نفسكَ هذه الأسئلة الختاميّة: هل من الصعب عليّ أن أشعر بالسعادة؟ هل أشعر بأنّي أحتاج إلى موافقة الآخرين ومباركتهم لأوقن بأنّي الأفضل؟ وعندما أفعل ما أُريد فعلَه، أو أقول ما أُريد قولَه، هل ينتابني الشعور بالذنب؟ هل غالباً ما أكونُ غيرَ واثقٍ في رأيي؟ هل أكرهُ نفسي وأحتقرُها بشكلٍ شبه دائم؟ هل أنا مهووسٌ بالكمال مع إحساسٍ دائم بالفشل؟ هل أكره مظهري الخارجي؟ وهل يؤثّر هذا الأمرُ بالتالي في سلوكيّاتي وفي علاقاتي مع الأخرين؟ هل ينتابُني شعورٌ داخلي بأنّه لا قيمةَ لي؟ هل حساسيّتي مفرطة وأغضب بالتالي من الانتقادات أو أشعر بالألم والانزعاج من كلّ تعليق يُوَجّه إليّ؟ هل أنا غاضبٌ معظم الأحيان، ذاك النوع من الغضب الناجم عن تدنّي تقديري لذاتي؟
إذا كانت أجوبتكَ إيجاباً، لن تصعبَ عليك الإجابة عن السؤال الأساس: “هل أنا مرتاحٌ بيني وبين نفسي”، والسؤال الأهم: “هل تقديري لذاتي جيّدٌ”؟ “هل أُحبُّ ما أنا عليه”؟ وإذا كانت أجوبتُكَ “لا، لستُ كذلك”، فهذا يعني بأنّكَ في طريقٍ سليمٍ في علاقتكَ بنفسكَ وبالتالي بالآخرين.
المسألة ببساطة هي مسألةُ تقديرنا لذواتنا أكثر ممّا هي مسألة لوم الناس بحجّة أنّهم آذونا، وأكثر ممّا هو موضوع تقدير الناس لنا. والأمر بالتالي يتعلّق براحتِنا مع أنفسنا قبل أن يتعلّق براحتِنا بين الناس ومعهم.
هل تقديركَ لذاتِكَ منخفضٌ أو طبيعيٌّ؟ من الضروري أن نفحص أنفسنا في ضوء ما تقدّم. عُدْ إلى كلّ دليلٍ من الأدلّة المذكورة، عزّز ما كان جيّداً، ومن الضروري أن تقرّر أن تُنَمّي ما كان منسوبُه منخفضاً.
سمير قسطنطين