من يعرف صلاحيّات رئاسة الجمهوريّة، ويرى “الاستقتال” في سبيلِها، يُدرِك الـ Paradox الذي يقعُ فيه طالبو هذا الكرسي. الكُلُّ في لبنان يَعلَم أنّ رئاسة الجمهوريّة فقدَت الكثير من وهجِها بسببِ خساراتٍ كرّسها دستور الطائف أو ممارسات بعد الطائف. الممارسات نوعان: نوعٌ أتى من خصوم الرئاسة الأولى فحاولوا تفريغها ممّا تبقّى منها، وأرادوا لها “عَ شْوَيْ” أن تقتصر على منح الأوسمة! ونوعٌ ثانٍ أتى من الرئاسة والمحيطين بها، فأعطوا ذخيرةً للخصوم لإطلاق النار عليهم مخالفين المثل الشهير Don’t Give Your Enemy Ammunition to Shoot at You.
ومع ذلك، يكثُر “طالبين القُرْب” عند الاستحقاقٍ الرئاسي. لا بأس إن كان في الأمر رغبةٌ لخدمة لبنان وقضاياه المصيريّة. فالتنافس يولّد التميّز Competition Creates Excellence.
لستُ هنا في معرض وضع Profile الرئيس المقبل. بالمناسبة، من يصل إلى الرئاسة في دول العالم ليس بالضرورة الأفضل. في الـ 2016 كتبتُ عن الانتخابات الأميركيّة: “غريبٌ كيف أنّ أميركا وأدمغتَها العلميّة الفذّة أوصَلَت إلى الحلبة النهائيّة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب”. طبعاً هناك أشخاصٌ أفضل لكن هذه هي السياسة. هل هذا يعني أنّ أيّاً كان يمكن انتخابه رئيساً؟ طبعاً لا. لكنّ الدخول في “البروفايل” لا يُجدي نفعاً الآن.
في لبنان، أضعُ معياراً وحيداً وميزة شخصيّة واحدة لمرشّحي الرئاسة. المعيار هو “ألّا يكون الرئيس العتيد مديوناً لبلدٍ أو حزبٍ أو محورٍ إقليمي، وألا يكون مُضطرّاً لتسديد الفواتير عند وصوله”. هذه الصفة وحدَها تختصر البروفايل. هذا يعني أنّك تنتخبُ رئيساً لا يُمكنكَ أن “تُسعّره”، You Can’t Put a Price Tag on Him/Her، وهذا يعني أنّه قائدٌ، ومُنزّه، ويقدّم مصلحة البلد على مصلحتِه ومصلحة حزبِه. يكفي أن يكون شبعاناً ونظيفاً ومع الحقّ.
لا لستُ في المرّيخ، ولا أطلبُ المستحيل، وأُدرك أنّ في حلِّ كلِّ نزاعٍ هناك حتميّةٌ لتقديم التنازلات الـ Concessions، وأنّك عندما تُريد أن تُحلَّ نزاعاً عليكَ أن تفعلَ ذلك على قاعدة Win-Win Solution، لكن الفرقَ كبير بين أن تتنازل من رصيدِك كرئيسِ حزبٍ أو كزعيمٍ، وبين أن تتنازل من حصّة مصلحة لبنان العليا. في مرّات كثيرة يتنازل سياسيّون في مواقع كثيرة من مصلحة لبنان العليا من أجل زيادةِ رصيدهم الشخصي في الشارع أو المصرف أو كليهِما.
لا أعتقد أنّ هذه Utopia. هذه هي ألفباء الخير العام. لكن، والـ “لَكِن” كبيرة، يتوجّب على هذا الرئيس القائد أن يفعلَ ذلك عن غير طريق التصادم المجّاني الذي يظنُّ البعضُ أنّه الصحنُ اليوميُّ للعمل السياسي. هذه هي الميزة الشخصيّة Personality Characteristic.
نحنُ إذاً بحاجةٍ إلى رئيس لا تسبقُهُ فواتيرُه إلى بعبدا، وأن يقول “لا” من دون تصادم، وأن يقول “نعم” من دون انتقاصِ مصلحةِ لبنان العليا. وهل هذا مُمكن الآن وسط كلّ هذا الصخَب؟ البلد انهار وانتهى نظامُه وتدمَّرت مؤسّساته لذا هذا هو الوقت للبنانٍ جديدٍ ونهجٍ جديد ورؤيةٍ جديدة. الآن هو الوقت المناسب لهكذا رئيسِ جمهوريّةٍ غير مستعدٍّ لتسديد فواتير الوصول، وقادرٍ على أخذ مواقفِه من دون الوقوع في الانفعال والتخوين والتشهير. عند ذاك تكون صلاحيّاتُه أكبر من كل الصلاحيّات. لا أعتقد أنّ أحداً من شركائه في السلطة يستطيع عندئذٍ أن يعمل لغيرِ مصلحةِ لبنان.
سمير قسطنطين