معظمُ السّياسيّين في لبنان يَرونَ بعينٍ واحدة. قد تسأل: “أوَليسَت هذه حالَ السّياسة في العالم؟” السياسيّون في العالم غالباً ما يلتزمون ما يُسمّى بـ “party line” أي الخط العام للحزب. لكنَّك ترى أحياناً، وفي أثناء التّصويت في الكونغرس مثلاً، خروجَ ديمقراطيّين عن شبهِ الإجماع الدّيمقراطي للتّصويت لِما كان الجمهوريّون قد قدَّموه. التمايُز مسموحٌ به ما دام هناك مبرِّرٌ له.
كيف يرى السّياسيّون في لبنان بعينٍ واحدة؟ خُذ مثلاً القوّات اللّبنانيّة. تحصُرُ القوات معركتها بموضوعِ سلاح حزب الله ونفوذِهِ السّياسي وتُخاصِمُهُ كحزبٍ. في المُقابِل هي تتجنَّبُ الحديث عن الفساد. بالنّسبة لها المعركة هي معركة تدجين سلاح الحزب. معركةُ الفساد غير مطروحة بالقوّة ذاتِها. هُم يرون بعينٍ واحدة. ولتأكيدِ ما أقول، فإنَّهُم عندما يتحدّثون عن الفساد فهُم أيضاً يرون بعينٍ واحدة، فيتحدّثون عمّا يسمّونه فساد التّيار الوطني الحُر. اللّافت أنَّهُم لا يتحدّثون إطلاقاً عن فساد أي حزبٍ أو تيّارٍ أو حركةٍ أُخرى، وكأنَّ السبب الوحيد للفسادَ هو التّيار الوطني الحُر.
خُذْ مثلاً التّيار. عندما يريد أن ينبشَ قبور الحرب ويتحدَّث عن الارتكابات، “ما بيِطْلع قدّامو إلّا سمير جعجع”. أنا لا أقول إنَّ القوّات اللّبنانيّة لم ترتكِب في الحرب. لكنّي أسأل، “وماذا عن اشتباكات أمل وحزب الله والمخيّمات الفلسطينيّة مثلاً؟ وماذا عن قِتال أمل والاشتراكيّين فيما سُمِيَّ “معركة العلم”؟ وماذا عن المعارِك الّتي دَمَّرَت بيروت الغربيّة وعودة الجيش السّوري في شباط 1987؟ وماذا عن مجازر الجبل في لحظة اغتيال الزّعيم الرّاحِل كمال جنبلاط، وفي لحظة تهجير أهل الجبل؟ ماذا عن معارك إقليم التفّاح بين أمل والحزب؟ الكل ارتكب، لكنَّ التّيار، فيما يقوله، إنَّما يرى بعينٍ واحدة.
خُذْ مثلاً حزب الله الذي يعزو الضّائقة الاقتصاديّة الّتي يمُرُّ بها لبنان، إلى ما يسمّيه “الحصار الأميركي”. نعم هناك حِصار على إيران. لكن لبنان ليس مُحاصَراً. هو يرى الحصار سبباً وحيداً لِما نحنُ فيه متجاهلاً بشكلٍ كامل ومُستَغرَب، أي مسؤوليّة للحلفاء والخُصوم، عن الإنهيار الحاصل، فكأنّ هؤلاء لم يستبيحوا خزينة الدّولة من دون خجلٍ. هو أيضاً يرى بعينٍ واحدة.
المَثَل الأخير، ولا مساحة لكلِّ الأمثلة، ما يقوله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. هو يتحدَّثُ تكراراً عن صلاحيّات رئاسة الحكومة المبتورة في رأيه. المُستغرَب أنَّ ميقاتي يُوجِّهُ سهام الاتّهامات إلى رئاسة الجمهوريّة حصراً. يحرُص الرئيس ميقاتي على الإيحاءِ بأنَّ مُعرقِل تشكيل الحكومة هو الرّئيس ميشال عون. لكنّه لا يرى أيضاً أنَّ حزب الله موافقٌ ضمناً على موقف الرّئيس عون. ميقاتي “ما بيجيب سيرِةْ” مذهب وزير الماليّة مثلاً، وهو يعلم أنّ الثنائي لن يقبل بتشكيل حكومةٍ ما لم يكن شيعيّاً. ميقاتي لا يصوِّبُ السِّهام على الثنائي، بل على رئيس الجمهوريّة. بذلك يكون الرّئيس ميقاتي أيضاً يرى بعينٍ واحدة.
قد توافقني في ما كتبتُ وقد لا توافقني. لكنّي أريد أن أَحثَّك اليوم على أن تساعِد زعيمَك الّذي تؤمِن بقيادتِه وبصوابيّةِ قراراته، على أن يرى بالعينين، لا ليكونَ طوباويّاً، بل لكي يعملَ مصلحتَه هو شخصياً ومصلحة حزبه، لأنّنا عندما نرى بعينٍ واحدة ونأخُذُ موقفَيْن متباينَين حيال الأمر عينِه في موضعَيْن، فإنّنا نخسرُ فرصةً كبيرة على طريقنا لكي نصبح “رجال دولة”.
سمير قسطنطين