الكُلُّ يريدُ رئيساً للجمهوريّة ويرغب في أن يتمَّ ذلك سريعاً. أنا من جهتي لا أريدُ رئيساً إلّا إذا كان رئيساً بالفعل. لا أريدُ رئيساً لأنّني لا أريدُ أن أعيشَ الخيبة مرّةً ثانية وثالثة وعاشرة. لا أريدُ رئيساً يُعطيني أملاً مزيّفاً بأنَّ الوضعَ سيتحسّن وهو يُدرك سلفاً  فرص التحسُّن غير قائمة في ظلِّ المعطيات الحاليّة. كذلك لا أريدُ رئيساً للحكومة ولا حكومةً يعطيانني انطباعاً بأنَّ الأمور ستكون برداً وسلاماً. لا أريد لأيِّ رئاسةٍ أن تنتهي من شُغورِها قبلَ أن أتأكّد بأن حلّاً ما حقيقيّاً سيأتي مع عهدٍ جديد وحكومةٍ جديدة. في المناسبة، أعتقد أنّ الشغور يشمل الرئاسات الثلاث فعليّاً وليس الرئاسة الأولى فقط.
ما نفعُ رئيسِ جمهوريّةٍ إذا كان سيصِلُ إلى بعبدا وهناك عشرات “الكمبيالات” سيسدِّدها؟ ما نفعُ رئيسٍ لن يستطيعَ أن يقولَ “لا” لمواضع الفساد؟ ما نفعُ رئيسٍ لن يكونَ قادراً على جمعِ اللّبنانيين وطرحِ رؤيةٍ جديدةٍ للبنان بعد أن فشِلَ هذا النِّظامُ السّياسي فشلاً ذريعاً؟ لا نُريدُ رئيساً سيُساهِمُ وصولُه بخفضِ قيمة الدّولار بضعة آلافٍ من اللّيرات، لكن الدولار لن يلبثَ أن يرتفع من جديد عندَ أوَّل خيبةِ أمل، والّتي أتوقَّعُ لها أن تكونَ سريعة.
أعتقد أنّ هذا الإصرار على انتخاب رئيس وعلى تجديد هذه الطّبقة السّياسيّة لنفسها، هو إصرارٌ في غيرِ محلِّه. نحن المواطنين اللّبنانيّين نريدُ رئيساً حُرّاً من أي فاتورةٍ يُسدِّدها، ونريدُ رئيساً قادراً على أن يجمعَ اللبنانيّين من دون استفزاز ولا فظاظة ولا ابتزاز. نريد رئيساً لا يصطدم بأحد فيسفك دماءً لبنانيّة، ولا ينحني أمام أحد فينهار البلد أكثر.
بالتّالي نُريد حكومةَ تكنوقراط كما في سائر بلدان العالم. نُريدُ حكومة يكون ولاءُ وزرائها للبنان وللبنان فقط. ولا ضيرَ في أن تكون الطّوائف اللّبنانيّة والأحزاب مرتاحة لهذه الشّخصيّات على أن يكونَ انتماءُ هذه الشّخصيّات إلى الوطنِ وإلى الكفاءةِ فقط.
صحيحٌ أنَّ المقاومةَ أعلنت أنّها تُريدُ رئيساً ترتاح له ولا يطعنها في الظّهر. أنا أستطيع أن أفهم طَلَب المقاومة هذا. هو مُحِقٌّ. الجماعة لا يريدون من يطعنُهم في الظّهر. لكنّي أودُّ أن أُضيف على هذا الطَّلب طلباً آخر يتمثَّلُ في أنّنا نريدُ رئيساً لا يطعن أيّاً من اللّبنانييّن لا في الظّهر ولا في الوجه. نُريدُ رئيساً يُطمئنُ الجميع وليس المقاومة فقط. نُريدُ رئيساً يرتاحُ كلُّ اللبنانيّين، إذا أمكن، إلى وطنيّتِه ونزاهته وكفاءته وحُسنِ سلوكه وسُمعته. وإذا بَقِيَ أحدٌ غير مرتاح فليكُن أقليّةً وليس أكثرية. نُريدُ رئيساً لا يؤمِنُ بالنّكايات ولا يبحثُ عن التّبعيّات ولا يُريد رِضى أحد في الدّنيا سوى ربّه ومواطنيه. بالتّالي نتطلَّعُ إلى رئيسِ حكومةٍ في عهدٍ جديد يُلائمُ هذه المعايير ويكونُ أداؤه وأداء وزرائه وسُمعته وماضيه وحاضره تُشبه المعايير الّتي تضعها البُلدان لسير عملِ الشّأن العام.
إذا كان الأمرُ غير ذلك، فإنّنا نبحثُ عن تمديدٍ للأزمة لستِّ سنواتٍ أُخرى، وهذا بالنّسبةِ لي سببٌ كافٍ لكي أقول: إنَّ عدم وجود رئيسٍ للجمهورية هو أفضلُ من وجود رئيسٍ يُسدِّدُ فواتير، وتبعيٌّ، وقرارُه مُقيَّد، وهو لا يُمثِّلُ اللّبنانيين الطيّبين الصّابرين.

سمير قسطنطين