في لبنان، هذا يعيّر ذاك بالتبعيّة لبلدٍ ما، و”ذاك” يعيّر الـ “هذا” بالارتهان لمشيئةِ جهةٍ دوليّة معيّنة. لكن في الواقع، ليس من صاحبِ قرارٍ حُرٍّ بالتمام، ليس عندنا واحد. إليكَ برهاناً مُضحِكاً. يفوزُ فريقٌ عربيٌّ بمباراة كرة القدم على فريقٍ غربي كما حصل قبل أيّام مع السعوديّة وتونس والمغرب. تنهالُ التهاني من كبار القوم في الدولة اللبنانيّة على دولة الفريق الفائز، ويتحوّل الفوز في مباراةٍ في كأس العالم، أمراً قوميّاً عربيّاً. أَوَليس في الأمر “تِبييضْ وِجْ” في الحدِّ الأدنى، أو حتّى تبعيّة؟ عندما فاز فريق كرة السلّة اللبناني في “كأس العرب” في شباط، وعندما فازت فرقة ميّاس اللبنانيّة بلقبAmerica’s Got Talent لم يقدّم ولا سفير عربي مقيم في لبنان حتّى، التهاني للدولة اللبنانيّة. المبالغةَ في التعبير عن الفرح لجهةٍ ما، فيهِ الكثير من التملُّق والضعف و”شي تاني مِشْ رَح قولو” عملاً بنصيحة “طبّوش”. أتذكرونه؟
عندما يتعلّق لبنانيّون بفرنسا لدرجةِ اعتبارِها “أُمّنا الحنون”، ولا يلبثُ خصمُهم في ذلك الزمن أن يتعلّق هو بدوره بها ولو بعد ستّة عقود، وعندما يتعلّق غيرُهم بمصر جمال عبد الناصر لدرجةِ التماهي تحت عنوان “القوميّة العربيّة”، وبياسر عرفات تحت عنوان “القضيّة الفلسطينيّة قضيّة عربيّة واحدة”، وبحافظ الأسد بسبب “وحدة المسار والمصير”، أَليست هذه أشكالاً من أشكال الّلاحرّية وعدم القدرة على صنع قرارٍ؟ وعندما تنقلبُ الأدوار، ويصبح بعضُ اللبنانيّين الذين عادوا النظام السوري لعقود مُتّفهمين الدور السوري في لبنان على قاعدة أنّ المهم هو المستقبل ولننسَ الماضي، وعندما يصبح بعضُ اللبنانيّين الذين افتخروا طويلاً بفينيقيّتهم سبّاقين في نسج خطوطِ صداقة مع بلدانٍ وأنظمة وأجهزة لم تكُن العلاقة معها في الحسبان لوقتٍ طويل، فإنّ من حقِّ الناس أن تسأل عن نوعيّة هذه العلاقة ومدى ندّيتها خصوصاً على مستوى صنع القرارات الوطنيّة. وعندما لا يُخفي حزبٌ لبناني انتماءه إلى عقيدةٍ واستراتيجيّةٍ إقليميّة بغضِّ النظر عمّا يراه سائر اللبنانيّين صائباً أم غير صائب، أَليسَ في الأمر ما يدعو إلى الاستغراب!
وإنّي أسأل، كيف تُموّل جهاتٌ حزبيّة مشاريعَها وأنشطتَها ومجموعات الأمن خاصّتها وحملاتها الترويجيّة ومعاركها الانتخابيّة؟ هل يحصل ذلك من أموال المتبرّعين الطيّبي القلب مثلاً؟ وما هو الفرق بين الحجِّ إلى خيمةِ عنجر في الزمن الصعب والحجِّ إلى السفارات في الزمن الحالي؟ وماذا يعني التنسيق مع جهة دوليّة “بتحط كرافات” أو جهةٍ دوليّة “ما بتحط كرافات”؟ أليسَ هذا تنازلاً صارخاً عن القرار؟
لن أستحي بالقول إنّ كلَّ سياسيٍّ لبناني أو حزبٍ يقبض ليرة لبنانيّة واحدةً من دولةٍ ما، أَعربيّةً كانت أم غربيّةً، فإنّ قراره ليس حُرّاً. في كلّ دول العالم هذا ممنوعٌ، وسريعاً ما يتحوّل الأمر قضيةَ رأي عام.
قد يرسُب ولدٌ في المدرسة بسبب نصف علامة على مئة فيُحصّل علامة 49،5/100، وقد يرسب ولدٌ آخر مُحصّلاً علامة 30/100. صحيحٌ أنّ علامة 49،5 هي أكثر طراوة على الأذن من علامة 30، لكن في النهاية كلاهما راسب.
هل في لبنان أصحاب قرارٍ حرٍّ بين الأقوياء؟ هل هناك بينهم من يستطيع أن يقرّر إنطلاقاً من مصلحة لبنان فقط؟
سمير قسطنطين