يُخبرونَك في كُتبِ التربيةِ عن السلطات وتمايُزِها والفصلِ بينها. فهذه سلطةٌ إجرائيّة، وتلك سلطةٌ تشريعيّة، وثالثةٌ سلطةٌ تنفيذيّة. ويأتيكَ من يُخبركَ عن السلطة الرابعةِ أي الإعلام، ناهيك عن السلطة القضائيّة. في لبنان، كُلُّ هذه السلطات موجودة، لكن شكلَها في الكتب شيءٌ، وفعاليّتها على الأرض أمرٌ آخر. هي موجودةٌ على الورق، لكنّك لا تراها، وإذا رأيتَها، فنادراً ما تلمسُ مفاعيلَها في حياة المواطن.
السؤال هو “أين السلطة الفعليّة في لبنان”؟ فعلاً أين هيَ؟ هل هي مع حزب الله لأنّ السلاح معَه ولأنّه يمثّل شريحةً كبيرةً من اللبنانيّين؟ هل هي مع حاكم مصرف لبنان لأن المالَ في عهدته وسلطتُه تخوّله التصرّف به بحريّة واسعة؟ هل السلطة حاليّاً مع رئاسة الحكومة لأنّ لا رئيسَ جمهوريّةٍ في البلد وقد انتقلَت صلاحيّات رئيس الجمهوريّة إلى مجلس الوزراء مجتمعاً وهو رئيسُه؟ هل هيَ مع المرجعيّات الدينيّة التي لها نفوذٌ كبير في العمل السياسي؟ يقرّر أمين سلام أن يقاطع جلسة مجلس الوزراء، تُفهِمُه دار الفتوى أنّ ما فعلَه غيرُ مقبول. تُعبِّر بكركي عن عدم راحتها إلى عقد جلساتٍ حكوميّة بالشكل الذي حصلَت فيه جلسةُ الأسبوع الماضي. الرئيس ميقاتي لا يتأخّر في طلبه موعداً مع بكركي، وينتقل إليها الإثنين الماضي “من قبل الضو”. هل السلطة مع قائد الجيش لأنّ مؤسّستَه هي الوحيدة الرسميّة التي بقيَت متماسكة والتي لا يجرؤ أحدٌ في البلد على إطلاق نارٍ سياسيّة مُباشرَة عليها؟ هل السلطة مع الرئيس نبيه برّي بكونه الوحيد بين أركان السلطات الثلاث الذي يمارس صلاحيّاته كاملةً، ولأنّه نافذٌ في الدولة عبر صلاحيّات الرئاسة الثانية، واتساع رقعة التوظيفات التي تخصّه في الدولة، ومناصريه المستعدّين دائماً على رفدِه؟ هل هيَ مع المصارف التي هيَ شريكة السياسيّين ومصرف لبنان في القرارات أكثر ممّا هيَ حامية أمانات المودعين التي برقبتِها؟ هل هيَ عند القضاء وهو سايرَ السياسيّين في التعيينات والتنفيذات أيضاً؟
“عَنْ جَدْ”، أين هيَ السلطة في لبنان؟
السلطة في لبنان ليست موجودة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأنّه لا سلطة خارج المؤسّسات. وقوّة المؤسّسة تكمن في معرفة المسؤول عنها حدودَ سلطتِه من ضمن القانون. عندما يريدُ مسؤولٌ كلَّ السلطة لنفسه ينتهي به الأمرُ مُفتّشاً على سلطته الأصليّة التي كانت له ولم يرضَ بها. المسؤول قويٌّ ما دام القانون حاضراً. أُنظر إلى المسؤولين الآن. ضياعٌ كاملٌ. يتلمسّون أدوارَهم كما تتلمّس أنتَ بابَ الغرفة في الليل والكهرباء مقطوعة. ليس من قويٍّ إلّا من ضمن المؤسّسات. لذا ترى القضاء مشلولاً في قضيّة 4 آب، ورئاسة مجلس النوّاب غير قادرة على إطلاق الحوار، ورئاسة حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على عقد جلسات حكوميّة، وحاكميّة مصرف لبنان غير موفّقة حتّى الآن بخروجها من دائرة الإتّهامات على الرغم من مسايرة الكبار للحاكم، والمصارف غير قادرة على تغيير وجهة سيرِها نحو الانحلال والذهاب إلى حالةٍ مصرفيّة جديدة في البلد وقِسْ على ذلك.
وأنا أكتُب هذه السطور تذكّرتُ ما حصل عندما انفرط عقد الإتّحاد السوفياتي. تحوّل بعضُ كبار الضبّاط باعةً في سوق السلاح. هذا باع دبّابات وذاك بنادق، وثالث مدافع، وحتّى اليوم ما زال بعض السلاح النووي ضائعاً في السوق السوداء. “نجّنا يا رب”.
سمير قسطنطين