منذ نيسان 1975 واللبنانيّون ينتظرون مبادرات ومشاريع حلول وزيارات وتسويات المنطقة. ومنذ أن زارَنا الرئيس ماكرون بعد انفجار المرفأ، واللبنانيّون يعتقدون أنّ الفرنسيّين يُسوّقون حلّاً فوّضهم الأميركيّون إيجاده. صرنا نقرأ أصغر التفاصيل، من كلام الرئيس ماكرون للسياسيّين اللبنانيّين في قصر الصنوبر إلى مصافحة وليّ العهد السعودي للرئيس ميقاتي.
نحن مساكين. ننتظر ما لن يأتي. لو أنّنا نُدرك ما أرادَه ويريده الأميركيّون “مِنّا” وليس “لنا”، كُنّا سنُفكّر بطريقة أُخرى. هُم يريدون منّا أمرَين أساسيّين: ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل وضمان أمن جبهتِها الشماليّة. الأميركيّون حصلوا على ما أرادوا عبر الاتّفاق بين الدولتّين برعاية أميركيّة مُعلنة أي أنّ لبنان وقّعَ مع أميركا أيضاً. أمّا ضمان أمن الجبهة فهو ضمنيٌّ بمجرّد أنْ وقّعَ لبنان الاتّفاق. لا يهمّ الأميركيّين أيّ أمرٍ آخر. هذا لا يعني أنّهم بدّلوا رأيهم في موضوع دعم الجيش. لكن كل الأمور الأخرى ليست أولويّة بالنسبة لهم. ولبنان، من حكومتِه إلى حزب الله، كان كريماً معهم. أعطاهم رطلاً و”زودة البيّاع”.
الفرنسيّون يريدون أمرين إثنين كأولويّة. إنسَ كلام ماكرون في قصر الصنوبر. لا أدري لماذا قاله. الفرنسيّون يريدون شركة الـ “توتال” في التنقيب، والـ CMA CGM في إدارة المرافئ، وما زاد على ذلك فلِمَ لا. الفرنسيّون أيضاً حصلوا على ما أرادوا. ومن قال إنّنا بخلاء؟ نحن نُعطي كلّ الناس بكَرَمٍ إلّا أنفسَنا. لذا ترى الفرنسيّين مُتخبّطين في تصاريحهم لأنّ أمرَنا ليس أولويّةً. قُبيل عيد الميلاد قال ماكرون بالحرف الواحد: “يجب تغيير قيادة هذا البلد”. لكنّه لم ينسَ، في المقابلة نفسها، أن يحثّ اللبنانيّين على “ضرورة مساعدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يحاول على الرغم من كل شيء أن يبذل أقصى ما يمكنه” كما قال! وتابع ماكرون: “ما يهمّني هم اللبنانيّات واللبنانيّون، لا أولئك الذين يعيشون على حسابهم”. هذا ما نسمّيه بالإنكليزيّة Confusing Signals. كلامٌ يشبه “القرّادي المخمس مردود”؟! الفرنسيّون لا يعنيهم الحل. هُم يعنيهم الاستقرار لا غير. يهمّهم أن تُنقّب الـ “توتال” بأمان وسلام. من مُنطلق الاستقرار حَصراً يعنيهم انتخاب رئيس. لا يهمّهم من يكون الرئيس ورئيس الحكومة. هذه أمورٌ ثانويّة. لمّا زارنا ماكرون في صيف الـ 2020 كان المُنطلق مختلفاً. التغيير كان الهدف. تعاطى مع السياسيّين اللبنانيّين كمتّهمين!
الذي يؤخّر إنجاز الاستحقاق الرئاسي هو ممانعة السعوديّة لأيّ رئيس مساير لحزب الله. عندما تُعطي السعوديّة موافقتَها، فإنّ انتخاب الرئيس يتمّ في أربعٍ وعشرين ساعة لا أكثر. يتولّى ساعتها الأميركيّون والسعوديّون والفرنسيّون والإيرانيّون “إقناع” حلفائهم أو مناصري سياستهم في لبنان. أميركا وفرنسا لا تريدان الضغط على السعوديّة فهناك مصالح للدولتين في المملكة أيضاً. الموضوع ببساطة هو الاقتناع السعودي بمن ترتاح إليه.
لذا أعود إلى حيث انطلقت. الموضوع في يدنا نحن اللبنانيّين. المراهنة على حلٍّ يأتي من خارج لبنان وهمٌ. إذا اتّفقنا في ما بيننا، لا يُعارضنا أحد. نحن Already أمّنّا مصالحَ الجميع، فالجميع سيسهّل شأن انتخاب الرئيس.
نحن في الانتظار على حافة الرصيف كما فعل فقيرَي صمويل بيكيت، فلاديمير وإستراغون، في “انتظار غودو”. إنتظرا الوهم. لم يأتِ. علّنا نتحرّك الآن قبل أن ننتهي إلى ما انتهى إليه بَطَلا المسرحيّة إذ عندما يئس إستراغون وفلاديمير قرّرا المغادرة، لكنهما لم يتحرّكا مرة أخرى. عندها سقطَ الستار، وأنهى المسرحيّة.
سمير قسطنطين