قسمٌ كبيرٌ من الذين يتعاطون الشأن العام في لبنان هُم حمَلَةُ شهادات، لكنّ ثقافتَهم السياسيّة غالباً ما تكون محدودة أو معدومة. لذا تراهم يستعملون عبارات مُستَهجنة، في تصاريحَ لا لزوم لها، أمام جمهورٍ مُصفّقٍ لكلّ أنواع السطحيّة. اللبنانيّون يسمعونهم. تختلف ردّات الفعل عندهم. منهم من يضحك لسفاهتِهم. منهم من يبكي للسبب نفسه. الضاحكون يكرّرون العبارات نفسها التي استعملها الزعيم عندما أهانَ بكلامه شكلَ سياسيٍّ آخر أو موقفَه أو علاقاته أو هاجم دولةً أو حزباً.
في زمن التسطيح هذا، أفهم هذا الـ Attitude حتّى لو أتى من أشخاصٍ تستغرب نزول مستوى تعليقاتهم إلى مكانٍ لا يُضحك أحداً سواهم. لكن ما أستغربه هو غياب الفكر النقديِّ عند شخصٍ مولع بالزعيم إلى حدِّ الهذيان. أيُعقل يا جماعة أن يتبع أحدٌ زعيماً لسنواتٍ طويلة من دون أن يشعرَ ولو لمرّةٍ واحدة بأنّ زعيمَه أخطأ؟ هل من المعقول أن يُدافعَ أحدُهم عن كلّ كلمةٍ قالها الزعيم في عِقدين من الزمن مثلاً، وعن كلِّ موقفٍ أخذه؟ هل ينتمي الزعيم إلى طبقة الـ “ألا فُضَّ فوكَ” مثلاً؟
لكن درجة الاستغراب عندي تصل إلى الذروة حين أرى مستشاراً لزعيم أو مُفكّراً قرب سياسيٍّ ما يفعل الأمر نفسه. يُصبح هذا القريب أو المستشار أو سَمِّه ما شئتَ أكثر التزاماً بما يقوله رئيس الحزب أو الزعيم أو الوزير من المسؤول نفسه. يُصبح هذا الرجل أو المرأة ناطقاً رسميّاً باسم من يتبع بدل أن يلتزم الصمت ويكتفي بمهمّته الأصليّة وهي تقديم المشورة بذهنٍ نقدي.
ليس مطلوباً من حزبيٍّ ملتزم أو مستشار لسياسي أو مُفكّرٍ قريبٍ من وزير أن يُهاجمَه في العلن (ولا في السرِّ)، ولا المطلوب أن يترك حزبَه أو أن يتنكّر لانتمائِه. لكن إذا كان هذا الإنسان قريباً من المسؤول، يُتوقّع منه أن يُقدّم معلومةً صحيحة لا مُضلِّلة من شأنها أن تساعد صاحب القرار على اتّخاذ القرار المناسب. كذلك يُتوقّع منه أن يُقدّم أفكاراً حول خيارات عديدة من شأنها أن تُحلّ المشكلة المطروحة، وأن يقدّم أفكاره بشكلٍ نقديٍّ لا انتقادي ليُحسّن أداء زعيمه. ليس مطلوباً أن تُخجلَ زعيمك بل المطلوب أن تُجوّد أداءه. ومن الضروري أيضاً أن توصلَ مشاعر الناس الحقيقيّة إلى زعيمك لجهة ردّة فعلهم لما يقوله أو يقرّره. المسؤول يحبُّ أن يسمع ردود فعلٍ إيجابيّة على ما يقوله. هذا ما يُبدع بفعله من “يُبيّض الطناجر”. كُن مختلفاً. أخبِرْه بكلّ شيء. أعلِمْه بانزعاج الناس واستغرابهم وفقدانهم الثقة فيه وبمن يشبهه. القريب من المسؤول يجب أن يكون حسّاساً تجاه ما يقوله الناس وليس تجاه ما يقوله زعيمُه.
هذه خياراتٌ في الحياة. ليس مطلوباً منك أن تستقيل وترحل. المطلوب أن تبقى وتُحاول أن تُحسّن الأداء وأن تجعل من زعيمك أفضل زعيم. الذين انهكوا الزعماء وأنهوا مصداقيّتهم هم الذين صفّقوا لهم من دون سبب، ودافعوا عنهم من دون منطق، وحابوا وجوههم من دون حياء. كان كلُّ همّهم أن يرضى الزعيم عنهم وأن يمنّ عليهم بوظيفةٍ يمتدُّ شُعاعها من كاتبٍ في القطاع العام إلى نائبٍ أو زيرٍ أو مدير عام. سقطوا هُم قبل أن تسقط مصداقيّة من يتبعون.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات