الزلزال على كلِّ شفةٍ ولسان. كُلٌّ ينطلق من اهتماماته. الحدث في منظار الجيولوجيا للبعض، وفي منظار السياسة والمساعدات للبعض الآخر، وفي منظار الدين للبعض الثالث. هذا طبيعي. لكن أكثر ما يُلفتني هو تفسير الكارثة من منطلقٍ دينيٍّ عبر قراءةِ كثيرين لفكر الله ومقاصده.
تسمع هذه العبارة: “الله بيحِبْنا ما صار الزلزال عنّا”. هل هذا يعني أنّ من حدثَ الزلزال عندهم لا يُحبّهم الله؟! لا أحد يملكُ جواباً عن السؤال. تسمع كلاماً آخر: “يا ربّي دخْلَك لا تْجرّبنا”. تسأل نفسك: “وهل الزلزال تجرُبة من الله”؟! من يدري! وإذا كان كذلك، فكيف سمح الله، وهو كلّي الرحمة والمحبّة بخسارة أرواح الأبرياء؟! من يملُكُ جواباً عن السؤال؟ لا أدري! البعض يذهب أبعد فيعتبر أنّ الله يُعاقب الناس على إثمهم من خلال الكوارث. إذا كان هذا الرأي صحيحاً، والله هو كلُّ العدالة، فلماذا يُعاقبُ الله هؤلاء الناس فقط؟ أَوَليس لبقيّة الناس، ونحن من بينهم، آثام؟ طبعاً لنا خطايا. فلماذا لم يُعاقبنا الله نحن؟ من يملكُ أجوبةً على هكذا أسئلة؟ من يدري!! تقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي مقتطفات من الإنجيل المقدّس أو القرآن الكريم أو نبوءات نوستراداموس (وأنا لا أُقارن هنا بين الكلام المقدّس ونبوءات الناس). لكن الفكرة هي أنّك تقرأ كلمات تُشير إلى زلازلَ ستحدُث. ويُعطي القارئون تفاسير لهذه النصوص مُشيرين إلى أنّها كُتِبت لهذه الأيّام. أنا لا أوحي بأنّها ليست لهذه الأيّام، ولا أجزم بأنّها لهذه الأيّام. كلُّ ما أقوله هو: “من يجزم بالفعل لأيّة أيّام هي هذه النصوص”؟ لا أدري. الخُلاصة هي أنّنا نحاول أن نفسّر كلَّ ما يحدث حولنا من مظاهر غير اعتياديّة في ضوء معتقداتنا الدينيّة وانطلاقاً من مفاهيمنا البشريّة المحدودة. طبعاً نحن طيّبون ومخلصون، ونقول كلّ ذلك لأنّنا مؤمنون.
لذا أودُّ أن أقول إنّي إنسانٌ مؤمن وأنطلق دائماً في أسئلتي وتفكيري من هذا الباب. وأعتقدُ أيضاً بعد كلّ اختباراتي الروحيّة والفكريّة والاجتماعيّة، وبعد كلِّ هذه المسيرة الحياتيّة، أنّنا كبشر أضعف بكثير جدّاً من أن نفسّر أو حتّى نفهم فكر الله في هكذا ظرفٍ كارثيٍّ أو غير كارثي. أنطلق دائماً من قناعةٍ تامّة وهي أنّ ليس عند الله ظلمٌ، وفي الوقت نفسه أنطلق من فكرةٍ أساسيّة هي أنّ ليس عند البشر تفسيرٌ روحيٌّ أو دينيٌّ لما يحدث من حولنا. نحن نضع الله في الـ Test Tube الذي كُنّا نستعمله أيّام الـ Bunsen Burner في مختبر الكيمياء، ونُخضِع ما يحدث للتمحيص والتفكير والتحليل. لو أنّنا نفهم فكر الله لما كان هو إلهاً ولما كُنّا نحن بشراً. مشكورون رجال الدّين وغيرهُم الذين يحاولون صادقين مساعدتنا على فهم ما يجري. لكنّني أعتقد أنّنا جميعاً، رجال دين وعلمانيّين، أصغر بكثير من أن نفهم كيف يفكّر الله عزّ وجلّ، وكيف تصير الأمور ولماذا يتركها تحدث. وكلّ جوابٍ يتعلّق بالبُعد الديني يحاول إنسانٌ أن يعطيه، سينهالُ عليه مئة سؤال من سُبحة الـ “لماذا”؟
هذه هي الدنيا، الموضوع هو موضوع إيمان. أنا اخترتُ أن أومن أنّ الله لا يظلم، واخترتُ أن أقتنع أنّي غير قادر على إعطاء تفسيرٍ عقلاني لما يجري ولماذا يحدث. اخترتُ أن أقتنع بأنّي ضعيف.
سمير قسطنطين