رئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة كان في فرنسا. لقاءٌ لا هو استجوابٌ أو استنطاق، ولا هو نقاشٌ مُيسَّر وسَلِس مبني على معطيات مُحدّدة واضحة المعالم حول مواضيع معيّنة. هو أقرب إلى التبصير في الغيب. لماذا؟ لأنّ فرنسا تُريد ضمانات. “عن جَدْ” هي تُريد ضمانات؟ أستغرب كيف تذهب فرنسا إلى مكانٍ تطلبُ فيه من شخصٍ واحد ضمانات تتعلّق بقوى محلّية وإقليميّة فائضة القوّة. هذا ليس عدلاً. عندما زارَنا الرئيس إيمانويل ماكرون مرّتين بعد انفجار المرفأ أعطى ضمانات على الهواء لكلِّ اللبنانيّين. ماذا حصلَ بعدها؟ لم يستطِع الرئيس الفرنسي ضمان ضماناته عند استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب بعد أيّام على انفجار المرفأ.
عن أيّة ضمانات يتحدّث الفرنسيّون؟ مَن في لبنان يستطيع أن يضمن إقرار استراتيجيّة دفاعيّة يكون فيها كلُّ سلاحٍ على الأرض تحت إشراف الدولة؟ من في لبنان يستطيع أن يضمن حدود أدوار الأحزاب فلا تتخطّى الحدود اللبنانيّة؟ من في لبنان يستطيع أن يضمن إعادة النازحين إلى بلادهم؟ ومن قال إنّهم يُريدون العودة في الأساس؟ ومن قال إنّ كثيرين هناك يُريدون عودتهم وهُم في الحدِّ الأدنى يؤمّنون ضخّاً نقديّاً لسوريّا يحتاج إليه الاقتصاد السوري كثيراً؟ من في لبنان يستطيع ضمان عدم تهريب الكبتاغون إلى الخليج؟ وإذا أُعطيَ الوزير فرنجيّة من القوى السياسيّة في لبنان ضمانات بعدم التهريب، أَلَن يكون ذلك اعترافاً من هذه القوى بمعرفتها، على الأقل، بموضوع التهريب؟ أيُّ حزبٍ سيُعطي الوزير فرنجيّة هكذا ضمانات؟ من يستطيع في لبنان أن يضمن تشكيل حكومة كاملة الصلاحيّات، وعدم حصول أيّ طرفٍ على الثلث المعطّل أو الضامن؟ من عندنا يضمن عدم خروج لبنان عن الإجماع العربي؟ لا أحد يقدر على فعل ذلك.
أعتقد أنّ ما يطلبه الفرنسيّون من شخصٍ واحدٍ غير منطقي. “كتير هالقد”. فلماذا يفعل الفرنسيّون ذلك إذاً؟ هناك ثلاثة احتمالات. الأوّل أن يكون هدف الفرنسيّين “تبييض الوِجْ” مع حزب الله ليس إلّا بمعنى أنّهم أوحوا له بأنّهم مهتمّون بالمرشّح الذي يودّ الحزبُ انتخابه رئيساً. الثاني، أن يكون الفرنسيّون راغبين في الخروج من التزامهم بتزكية الوزير فرنجيّة للرئاسة، ولذا فإنّهم يفتّشون عن طريقةٍ ظريفة لفعل ذلك. ثالثاً، أن يكون الفرنسيّون أقلّ واقعيّةً في شأن إدارة أزمةٍ في لبنان ممّا يجب أن تكون عليه دولةٌ عظمى مثل فرنسا.
في قُرانا يقول الأجداد: “يلّلي بيكبّر حَجَرو ما بيرميه”. هل يُكبّر الفرنسيّون الحجر؟ أعتقد ذلك. حتى ولو كان امرؤٌ ما مؤمناً بضرورة تلبية كلّ طلبٍ طلَبَتْه فرنسا من الوزير فرنجيّة، فإنّ طلب كلّ هذه الضمانات من شخصٍ واحد غير منطقي أو طبيعي. فإذا أرادت فرنسا فعلاً ضمانات، فلتدعُ كلّ الأقوياء إليها وتأخذ منهم جميعاً ضمانات حول مستقبل لبنان، لا أن تطلب كلّ ذلك من رجلٍ واحد فقط وكأنّها تضع على منكبيه ثقل تحديد مستقبل لبنان. في ذلك شيءٌ من عدم الإنصاف.
سمير قسطنطين