يحيِّرُني الغرب في موقفه من النظام السياسي/المالي في لبنان. يُشعرُكَ الغرب بأنّه مستاءٌ من سلوكيّات سياسيّينا، فيضع عقوبات على بعضهم، ويشترط صندوق النقد الدولي تحقيق الإصلاحات قبل تقديم المعونات. يتعامل الغرب باشمئزاز من طريقة إدارة الطبقة السياسيّة في لبنان لشؤون الدولة. ممتاز. لكنّي أودُّ أن أسأل الغرب أسئلةً. ماذا تغيّر في السياسيّين اللبنانيّين حتّى أخذ الغرب هذه المواقف؟ أليس هؤلاء هُم أنفسهم منذ عقودٍ؟ الأسماء تتغيّر من زعيمٍ إلى إبنٍ وقريبٍ لكن هؤلاء هم أنفسهم مُذْ كان الزمان وكُنّا. للغرب استخبارات نشطة تعرف الشاردة والواردة عن كلِّهم، تتنصّت على مكالماتهم وتعرف المصارف التي يودعون فيها أموالهم. يعرفون من حوّل ودائعه إلى الخارج قبل 17 تشرين وبعده. يعلمون خفايا استثماراتهم في الخارج والأشخاص الذين يضعونهم في الواجهة. مع ذلك، يتعاطى الغرب معهم وكأنّ شيئاً لم يكن. لماذا لم يحرّك ساكناً، ولماذا لا يفاتحهم بهذه الموبقات في لقاءات سفرائه؟ قد تقول إنّ الغرب لا يتعاطى بهذه الطريقة مع السياسيّين في لبنان لأنّه شأنٌ داخلي. “عن جَدْ”؟ هذه مزحةٌ سمِجَة. السفراء يتعاطون بكلّ تفصيلٍ عندنا تلميحاً أو تصريحاً. يزورون الجميع، ويتعاطون مع الجميع، ويعترفون بالجميع.
أكثر من ذلك. أليس الغرب هو من تعاون مع الحكومات اللبنانيّة لعقد مؤتمرات باريس 1-2-3؟ قد تسألني: “أَوَلا تُريد الغرب أن يدعمنا”؟ طبعاً بلى. لكن ألم يعلم الغرب وهو يعقد مؤتمر باريس2 أنّ مقرّرات باريس1 لم تُطبّق؟ وعندما التأم باريس3، ألم يكن الغرب مُدرِكاً أنّ أيّة إصلاحات حقيقيّة لم تحصل عقب باريس2؟ طبعاً بلى. وإذا كان الأمر كذلك فما معنى مؤتمر سيدر في الـ 2018 بدعوة من الرئيس الفرنسي؟ صحيحٌ أنّ الأموال لم تتدفّق بسبب خيبة الغرب من الطبقة السياسيّة، لكن لماذا المؤتمر في الأساس؟
أكثر من ذلك. البنك الدولي والإتّحاد الأوروبي منحا وزارات ومجالس وبلديّات أموالاً كهباتٍ أو قروض ميسّرة. ألم يُدرك الغرب أنّ هدراً هائلاً حصل لهباتٍ وقروض عديدة؟ ألا يعلم الغرب أنّ إدارة أموال الهبات فيها أسئلةٌ كثيرة من دون أجوبة؟ طبعاً يعلم. ألا يعلم الغرب أنّ المسؤولين في بعض الوزارات يطلبون تمويل المشروع نفسه أكثر من مرّة؟ يموّل الغرب إجراء دراسةٍ في وزارةٍ. تُجرى الدراسة. يأتي وزيرٌ جديد، يطلبُ منحةً جديدةً لتمويل دراسةٍ مشابهة إن لم تكن هي نفسها.
عندما أرسل الغربُ أموالاً لتنفيذ مشاريع، لماذا لم يُشرف عبر ناسه على حُسن التنفيذ؟ هل يجوز أن يكون مجموعُ تكلفة صيانة نفقٍ أعلى من كلفة إنشائه؟ قد تقول لي إنّ الغرب لم يُموّل الصيانة. عظيم. لكن أليس هذا الأمر مؤشّراً إلى نوعيّة الناس التي تُنفقُ الأموال في الدولة؟
يجتمع الرئيس ماكرون في قصر الصنوبر مع سياسيّين. يُطلق عليهم نعوتاً مُحرِجة. هو نفسُه، في مداخلات إعلاميّة أُخرى، يكيل المديح لمسؤولٍ في الدولة اللبنانيّة. غريب!
في هذا الزمن بالذات يموّل الإتّحاد الأوروبي وبقيمة 60 مليون يورو مشاريع بنى تحتيّة وطرقات في القرى. هل يكون هذا المشروع الضروري نقطة انطلاق لضبط إنفاق الهبات إلى لبنان؟ هل حان وقت الصحو؟ وإذا كان النوم مقصوداً في مرحلةٍ ما، هل حان وقتُ مساعدة لبنان بالفعل عبر التأكُّد من أنّ المال الذي يأتي يُنفقُ بالطريقة الرشيدة؟
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات