التذمُّر في البيوت ارتفع منسوبُه. الأهل يتذمّرون من كثرة انشغالات أولادِهم الّتي لا يرَون لمعظمها مُبرِّراً، والأولاد يتذمّرون من والدِيهم ويرَون فيهم عيوباً.
لكن عن أيِّ نوعٍ من الأولاد وأيّة ظروفٍ وطبيعةٍ لهذا الجيل نتحدّثُ؟ إدراكُنا للأجوبةِ يساعدُنا على تصويب علاقتِنا بهم كأهلٍ وكمعلّمين. أولادُنا هُم نِتاج خمسة أمورٍ أساسيّة “علَّمِتْ فيهن”.
أوّلاً، هو جيل “زَرْبِة” كورونا الّتي بقي فيها الأولاد مدّة سنتين دراسيّتَيْن في البيت. آنذاك أنتجَت “الزربةُ” إستياءً عارماً لديهم. المراهقون خسروا سنتَين مهمّتَين جداً من عمرهم، الأمر الّذي جعلهم Frustrated مُحبَطين.
ثانياً، هذا الجيل هو نِتاجُ مرحلةٍ ثائرة وأوضاعٍ أمنيّة “مفركشِة” أعقبَها انفجار المرفأ. مرحلةٌ أنتجَت غضباً عبّروا عنه في الشارع لكن التعبير لم يكن كافياً. تحدّثْ إلى تلاميذ اليوم، تجدْ غضباً مكبوتاً في عيونِهم من كلّ شيء. لم يعُد الغضب محصوراً بالسياسيّين كما في تشرين الـ 2019، ولا محصوراً بمن يحمّلونهم مسؤوليّة انفجار المرفأ. صار غضَباً عشوائيّاً. باتَ حالةً قائمة بِذاتها. هُم غاضبون لأنّ أحلامَهم أكبر من واقعِهم وطموحِم الأمرُ الذي سيخسرُّهم البقاء في بلدِهم. ضاقَ لبنان عليهم. لذا تراهم يتحدّثون بإسهابٍ عن أهميّة الهجرة في عمرٍ مبكر.
ثالثاً، هذا جيل الأونلاين. هل تذكرون أيّام تدريس الأونلاين؟ كانت المعلّمة تبدأ حصّتها الساعة الثامنة صباحاً. كُنّا عاجزين كأهلٍ عن إيقاظ أولادِنا قبل الثامنة ودقيقتين. جيل الأونلاين أنتجَ الّلامسؤوليّة، ولئلّا أظلم أولادَنا أقول أنتجَ التراخي.
رابعاً، هذا جيل الإنهيار الإقتصادي الذي أنتج القلق لدى الأولاد. تحدّث إلى هذا الجيل. هُم قلِقون من مرحلةِ ما بعد تخرّجهم من المدرسة أو من الجامعة. يسألون أنفسهم عمّا سيحلّ بهم.
خامساً، الفلتان الموجود حاليّاً، والفساد الوقح أنتجا جيلاً لا يريد أن يحترم القوانين. الأولاد يسألون مثلاً: “لماذا عليّ أن أتعب حين أرى سارِقين يتبوئون مناصب عالية”؟
للأسف، فإنّ أولادَنا أصبحوا نِتاج ما عبَروا به في السنوات الأخيرة من حياتهم. باتوا نِتاج خمسة أمور على الأقل: الإحباط، الغضب، التراخي، القلق، والرغبة في عدم احترام القوانين. ليس سهلاً أن تتعاطى مع ولدِك عندما يكون كلُّ الجيل يُشبهُه. وليس سهلاً أن تُعطي حلولاً لمسألةٍ هي أكبر منّا جميعاً. الحلول تتطلّب حضوراً للدولةِ من خلال المناهج وتدريب المعلّمين وتوعية الأهل. لكن هذا الأمر لن يحصل. الدولة استقالت من الدولة. جُلّ ما تستطيع أنتَ فعله هو إعطاء المسكّنات الفعّالة إلى أن تنفرج. دورُ المسكّنات الآن مهمٌّ جداً فلا نتراخى في فعل ذلك. التخفيف من النق في البيت من قِبل الأهل، والتشجيع الدائم للأولاد وتحفيزهم على الاستمرار في الجهد، والتقليل من التوبيخ بسبب علامةٍ غير مرضية، والتذكير بظروف صعبة مرّت علينا وكيف اجتزناها، والتواصل معهم بطريقة تخفّف من غضبهم وإعطائهم مساحةً لتنفيس الغضب ولو فعلوه في وجوهنا فلا نربط غضبهم بكرامتنا كأهل، والتأكيد أنّ لي مصلحة شخصيّة في احترام القانون بغضّ النظر عمن ينتهكه، كلّها أمورٌ من شأنها أن تجعل وطأة هذه الظروف أخف عليهم، وتصونَ علاقتَنا بهم إلى أن يعبرَ الغضب. ولعلّه مطلوبٌ أيضاً أن ينتبه المعلّمون إلى التأثير السلبي أو الإيجابي الذي تتركه في الأولاد طريقة معاملتهم وأسلوب كلامهم معهم. هي مسكّنات لكنّها الآن باتت بأهميّة العلاج الحقيقي.
سمير قسطنطين