نحنُ على عتبةِ الأضحى. قصّتُه في اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام. تختلف الأسماء، لكنّ الثابتَ أنّ إبراهيم أبا المؤمنين أراد التضحية بابنه إسماعيل تلبيةً لأمرِ الله. وحين هَمَّ بوضع السكّين عليه، يصرخُ جبريل بابراهيم ومعه الكبش ويقول له لا تذبح اسماعيل فإنّ الله قد فداه بهذا.
يأخذُني العيد إلى سنيّه الأوائل، إلى المعاني العميقة في زمنٍ عتيق. الأضحى إسمٌ لا يحتملُ الاجتهاد ولا يحتاج علم التفسير. فنحن وببساطة أمام تضحيةٍ غالية في سبيل أمر سامٍ. هذه الأعياد، إذا ما أُفرِغت من معانيها الروحيّة والإنسانيّة السامية، تصبح كالمناسبات الأخرى من مثل عيد الشجرة واليوم العالمي لمرضى السكّري وغيرهما. لذا يزورُني العيدُ بأسئلةٍ من وَحيِه. في القديم أراد ابراهيم أن يضحّي بأغلى ما عنده، ولده، من أجل أن يُرضي الله، واليوم نحن نُضحي بأثمن ما عندنا من أولادٍ ووطن وأرزاق. من أجل ماذا ومَن نفعلُ ذلك؟ من نريد أن نُرضي؟ عندما نُمعن في تورّطنا العاطفي في أزمات المنطقة، فمن أجل من نفعلُ هذا؟ عندما لا نستطيع أن نرى شركاءنا في الوطن إلا حَفنةَ عملاء إمّا لأميركا والسعوديّة وإسرائيل، وإما لسوريّا وإيران، ونُضحّي بالتالي بوحدتِنا الوطنيّة، فمن أجل من نفعل ذلك؟ وأيَّ إلهٍ نريدُ أن نُرضي؟ عندما نُضحّي بالسلم الأهلي فنمدّ حدَّ السكّين لنذبحَه مفاخرين، فمن أجل من نفعل هذا، وأيّ شيطان، وسامحوني إن قُلتُ ذلك، أيُّ شيطانٍ نريد أن نُرضي؟ كلُّ ما يحصل في البلد لا يُطمئن، والذي يُخيف أكثر من كلِّ ذلك هو تورُّط الكبار حتّى الساعة في التجييش والتحريض والتضحية بالعباد ولا أدري في سبيل من. لم ييْأسوا بعد.
في القديم، كان أبو المؤمنين إبراهيم مُطيعاً لله. لم يقف بينه وبين إرضاء ربّه أيُّ غالٍ حتى ولو كان ولدُه. كيف انقلبت القصّة في يومنا الحاضر وباتت التضحية بالغالي والنفيس تحصل في سبيل ما لا يُرضي الله، وما لا يُرضي الضمير، وإن كُنّا جميعنا نذكر اسم الله في كل ما نفعل وندّعي أننا إنّما نفعل ذلك من أجله هو، وهو منّا ومن أفعالِنا براء. في الأضحى حرامٌ علينا جميعاً، (فهذا العيد يخصُّ كلّ لبنان)، أن تكون الأضاحي بشَراً من لحم ودم. لا الله يرضاها ولا عِبادُه.
متى سنقرّر كلبنانيين أن نضحّي بشيء قليل من مناطقيّتنا من أجل وحدة الوطن؟ متى نضحّي بالقليل من زبائنيّتنا من أجل اختيار الأفضل للوظيفة العامة؟ متى نُضحّي بالقليل من عنجهيّتِنا غير المفهومة هذه الأيّام من أجل استقرار البلد والراحة النفسيّة للناس؟ متى نُضحّي بشيءٍ من فسادِنا من أجل نُصرةِ القانون وانتعاش خزينة الدولة؟ متى ومتى ومتى. أسئلة كادت تكون متكرّرة على كلِّ شفةٍ في سكينتِها مع ذاتها. الأضحى يحلُّ قريباً، يطرقُ الأبواب. لا أجوبةَ مُقنعة عن هذه الأسئلة من أحدٍ ممّن يتعاطون الشأن العام عندنا. مؤسف.
سمير قسطنطين