قبل خمسٍ وأربعين سنة، زِرتُ عائلة خالي في نيوجِرسي في الولايات المُتَّحِدة، وهو كان هاجَرَ إليها قبل بضعِ سنواتٍ من ذلك التاريخ. في يوم من أيّام الزيارة، وفيما كنتُ أتحدَّثُ إليه في موضوع “شخصيّة الإنسان”، فاجأني بسؤال، قال: “ما هو، في رأيِكَ، أصعبُ أمرٍ على الإنسانِ”؟ كان من الطّبيعي في ذلك الوقت، وكنتُ حينها شابّاً، أن أُجيبَه بأنَّ أصعب أمرٍ عليّ هو أن أُحدِّد ماذا أُريد لنفسِي في المستقبل، وأينَ أُريد أن أكون. وافَقني خالي هذا الرّأي، وقال: “هناك أمرٌ آخر يُشكِّلُ لي أصعب أمرٍ على الإنسان أن يفعله”. سألتُه: “ماهو”؟ قال: “التَّوازُن”. لم تكُن عبارة “التَّوازُن”، تعني لي الكثير في ذلك الوقت. لم تكُن خبرتي الحياتيّة كافية لكي أفهمَ عُمقَ معناها. مرَّت الأيام واختبرتُ أموراً جديدة وقديمة ومُتجدِّدَة في كلِّ يوم كما يختبِر كلُّ إنسانٍ على وجه الأرض. فما هو التوازن بالنسبة لي بعد كلِّ هذه الرحلة؟
التّوازُن يعني أنَّ ليَ الحقَّ في أن أغضبَ على أحدهِم من دون أن أُهشِّمَ العلاقة به، وأن أُسايرَه في المقابل من دون الوقوع في التملُّق. والتَّوازُن يعني أن أحزَنَ من دون أن أقعَ في اليأس، وأن أفرحَ من دون أن أتصرَّفَ بخفَّةٍ. التَّوازُن يحصل عندما أكونَ كريماً من دونِ أن أقعَ في التَّبذير، وأكونَ حكيماً في مصروفي من دونِ أن يزورَني البُخلُ. والتَّوازُن يعني أن أُحبَّ شخصاً ما من دونِ أن أكونَ ضعيفاً، وهو يعني أيضاً أن أكونَ هشَّاً أي vulnerable عندما أحبُّك من دون أن يُحرِجَ هذا الأمرُ عنفواني. وأرى التَّوازُنَ أيضاً في شخصٍ يستطيع أن “يزعلَ” منك من دونِ أن يُعاديك، ويقدِرُ أن يسالمَكَ من دون أن يخضعَ لك. التوازن هو أن أُعبّر عن رأيي بصراحة من دون أن أقع في الوقاحة، وهو أن أتحفّظ في تعبيري عن رأيي من دون أن أخضع للقمع.
في علاقتي بنفسي، التَّوازُن يعني أن أعرف قيمة نفسي، وأُثَمِّنَ ما أُدركُه من معارف وما اكتسبتُه من مهارات من دونِ أن أقعَ في الكبرياء أو في مُقارنةِ مَن أنا بمن هم حولي. والتَّوازُن يعني أن أكون متواضعاً في كلِّ سلوكي من دون أن أُعطيَ الانطباع بأنَّني شخصٌ ضعيف. والتَّوازن يعني أن أجتهدَ في مساري المهني من دونِ أن أقعَ في الاحتراق المهني burnout.
في علاقتي مع أولادي، التَّوازُن يعني أن أُحِبَّ أولادي من دون أن يُصبحوا “مهروئين”. وأن أدرّبهم على الانضباط من دون أن يقعوا في تعقيداتٍ ستُرافقهم طوال العمر. ويعني أن أُوازِنَ بين نواحٍ عديدة في حياتي من دونِ أن أَهمُلَ أياً من هذه النّواحي.
هذه النّواحي هي سبعٌ، إذا ما توازَنَت، كان الإنسان أكثر استقراراً وأقرب إلى السّعادة والاكتفاء. فما هي؟ النّواحي السبع هي أن أتوازن في اهتمامي بالأصدقاء، وعنايتي بالعائلة، وتمتّعي بالمرح، وعيشيَ الإيمان، وتحصيلي للمال، وعنايتي بصحّتي، وتعزيزي لمساري المهني.
هذه النّواحي السّبع، عندما تتوازَن، مضافةً إلى توازُنِ مشاعري وتفكيري الّتي تحدَّثتُ عنها آنِفاً، أعتقِد أنَّ فرصتَنا كبشرٍ في تحقيقِ سعادةٍ ما بطريقةٍ ما، تكون أقرب إلينا.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات