الفيديراليّة من دون دولة قويّة تأخذنا إلى الحروب الداخليّة
النهار
الوضع جامد. ليس من جديد تحت شمسِنا. لا أحد يقدر أن يفرض انتخابات رئاسيّة ورئيساً. الأمور خرجَت كلّياً من يد الزعماء اللبنانيّين. الخارج ممسكٌ بالطابة. لن يفلتَها إلّا إذا ذهَبَت نحو ملعب الإصلاح. الخارج يقول إنّه لن يتدخّل. يقول ذلك كلّما ذهبَت الأمور بعكس قناعاته. ترك الأميركيّون أطراف الداخل تلعب، تحاول، تتحرّك. فكانت مبادرة الرئيس برّي وحوار الحزب مع التيّار. أميركا والسعوديّة تواكبان. ترفضان التدخّل لكنّهما قادرتان على قول لا عندما تكون الأمور على غير توقّعاتهما. الأطراف في الداخل تُدرك أنّها أمام حيطان عالية، وهي باتت حاضرة لكي تعدّل قناعاتها الآن. إنسحاب الرئيس برّي هو انسحاب لكلّ الجهات التي يمثّلها أكان بالكامل كالحزب، أو جزئيّاً.
الخارج أصبح أكثر وضوحاً. السعوديّة تقول بوضوح لمن يريد أن يسمع “إذا كان الرئيس وسطيّاً فأنا معنيّة، وإذا كان غير ذلك، فأنا غير معنيّة”. رأيُ الأميركان كرأي السعوديّة مع “فشخة” إلى الأمام وهي الرغبة في ضرب الطبقة السياسيّة كلّها.
في الأحاديث، يرد ذكر الفيديراليّة. العبارة في أذهاننا نحن اللبنانيّين توحي باختلاف المسيحيّين والمسلمين. لكن الأمر ليس كذلك. أنا لا أقول إنّ تاريخ علاقاتنا ببعض كان وروداً ورياحين. الأحداث الدمويّة صبَغَتْه في مراحل كثيرة. لكن الخلاف الآن ليس مسيحيّاً – مسلماً. لذا الحديث عن الفيديراليّة ليس صحيّاً لسببٍ بسيط. نحنُ لا نسمع عن الفيديراليّة كحالةٍ إداريّة تحت سقف الدولة. نسمع عنها كحلٍّ لاختلاف المسيحيّين والمسلمين على كلّ شيء. الفيديراليّة، أو ما يشبهها، لن تكون الحلّ إلّا إذا كانت الدولة قويّة. المشكلة هي الخوف من ألا تكون الدولة هي الرأس.
الفيديراليّة من دون دولةٍ مركزيّة جامعة وقويّة هي فرصة لاختلافٍ أكثر أذيّة للمواطن بين حركة أمل وحزب الله، وبين التيّار الوطني الحر والقوّات اللبنانيّة، وبين الحزب التقدّمي الإشتراكي وخصومه في بيئته، وبين أطراف عديدة من السُنّة.
التغيير حاصل لأنّه حاجة أجنبيّة أكثر ممّا هو مطلب لبناني. الخارج ترك الداخل يلعب لكي يصل إلى وقت يستطيع فيه الخارج فرض الذي يريده. لن تكون إيران بعيدة. الداخل استوى.
المناداة بالفيديراليّة هي ردّة فعل. فعندما يقوى الزعماء ينادون بالـ 10452 كيلومتراً مربّعاً، وعندما يضعفون ينادون بالفيديراليّة. في المرّة الأولى يقولون خطاباً وطنيّاً، وفي المرّة الثانية يتحّدثون طائفيّاً وبشكل بغيض. إتّجاه الناس ليس صوب الفيديراليّة، لكنّه صوب وجود الدولة. الفيديراليّة قد تكون حاجة من ضمن الدولة. الأهم هو أن تعطيني أنا المواطن الدولة القويّة من دون فساد ومن ثمّ رتّب الموضوع الإداري للدولة كما تشاء.
سمير قسطنطين
أحدث التعليقات