أحداث غزَّة تثير قلقاً كبيراً عندَنا. هل سيحدُث هنا ما يحدثُ هناك؟ عندما تَوَتَّرَ الوضع جنوباً إبتداءً من الأحد، خاف البعض خوفاً متصاعِداً، وخصوصاً عندما أعلَنَ حزبُ الله عن خسارته لمقاتلين. المنطِق يقول إنّ حزبَ الله لن يشارك على نطاقٍ واسِع في هذا القتال، وبالتّالي، فإنَّ الجبهة الجنوبيّة لن تُفتَح على مصراعيها. لماذا؟
وضع حماس مُختَلِف عن وضع الحزب، ووضع غزَّة ليس هو نفسه وضع جنوبِ لبنان. حماس أرادت من هذا الهجوم الساحِق تسجيلَ ثلاثة انتصارات. الأوَّل عسكري، وأعتقِد أنَّها حقَّقَت إنجازاً على الأرض لم يكن أحدٌ يتوقَّعه. الثّاني معنوي، ويبدو أنَّ معنويّات اسرائيل كدولة لم تكُن في أفضلِ أيّامها بعد هذا الهجوم. أمّا الانتصار الثّالث الّذي تبغيه فهو انتصارٌ سياسي. حماس تُريد بالتّحديد أن تُنهي حركة فتح سياسيّاً من جِهة، وأن تنتزع من يدِ الكلِّ حقَّ تمثيل الشّعب الفلسطيني في أيّةِ مفاوضاتِ مُقبِلة. عندما يقاتِل الكبار، فهُم يقاتلون لكي يصلوا إلى طاولة المفاوضات. وحماس تُريد من هذا القِتال أن تَصِلَ إلى طاولة مفاوضات تبدأ بالتحاور حول مصير النساء الأسيرات من الفريقَين وصولاً إلى تحصيل مكاسب سياسيّة من إسرائيل. هذه طريق التفاوض للأسف. هل ستنجح حماس في الجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ يصعب الجواب عن هكذا سؤال والدمار شديد الهول في غزّة.
هجوم سوق الغرب في آب 1989 أوصل إلى اتّفاق الطائف. حرب تشرين على الجبهتَين المصريّة والسوريّة في الـ 1973، أوصلت إلى اتّفاق كامب دايفيد للسلام في أيلول 1978. هذه سُنّة الحروب وقواعد طاولات المفاوضات!
في المقابل، وضعُ حزب الله ليس كذلك. الحزب، ومن خلال قتال الـ 2006، حَقَّقَ هدفَين كبيرين تنازَلَت له فيهما أميركا والغرب واسرائيل. الإنجاز الأوَّل هو انتزاع صيرورته صاحب الـ upper hand في أيِّ عمليّةٍ سياسيّة لبنانيّة. قد تستغرب كلامي إذا قلتُ إنَّ هذا الأمر لا يُزعِجُ اسرائيل وأميركا بقدر ما نظنُّ. المكسب الثّاني الّذي حقَّقهُ الحزب هو انتزاعه دوراً سياسيّاً على مستوى المنطقة، لعلَّه ليس بوضوحِ دورِه السّياسي في لبنان، لكن الدّور موجود وقد ازداد فعاليّةً في السنوات الخمس الأخيرة. في المقابل انتزع الأميركيّون أمرَيْن من حزب الله. الأوَّل هو هدوء الجبهة الجنوبيّة إلى حدٍّ كبير منذ آب الـ 2006. وأمّا المكسب الثّاني، فهو موافقة الحزب على أن تُرسِّم الدّولة اللّبنانيّة الحدود البحريّة مع اسرائيل.
يقول ذلك إنَّ حماس ذاهبة إلى الحرب لكي تحقَّق الإنجاز وتصل إلى طاولة المفاوضات وتأخُذ المكاسب، وإنّ الحزبَ كان مشى هذه المسيرة قبلاً وأخذ ما يُريد وأعطى ما يريدون. لو كان الأمر غير ذلك، لَفَتَحَ الحزبُ جبهةً كبيرةً في جنوبِ لبنان، ولَنَسَّقَ هذا العمل مع حماس في غزَّة. لو أنَّهُ فعل ذلك بالتّزامُن والتّكافُل والتّضامُن مع حركة حماس، لكانَ الكيان الاسرائيلي اليوم في مكانٍ لم يكُن يَظنُّ أركان تل أبيب أن يكونوا فيه منذُ أن تأسَّسَت دولة اسرائيل.
الأمر الوحيد الذي قد يجرُّ لبنان إلى الحرب هو اجتياح إسرائيلي لغزّة لا قُدرة لأحد على التكهُّن معه بما يمكن أن يصل الوضع إليه. عندئذٍ كل المنطقة، وربّما العالم، سيكونان في مأزق. ذاك أمرٌ مختلف. حتّى الآن، فإنّ مناوشات تثبيت الوجود وشدِّ العصب ستظل قائمة.
سمير قسطنطين