“ولادْنا بيِشِغلوا بالنا”. مقولةٌ ليست غريبة عن تفكير الأهل. من مجالاتِ قلق الأهلِ الوضعُ النفسي للولد في مدرستِه. فكيف أعرفُ ما إذا كان ولدي سعيداً في المدرسة؟
لِفرحِ الولد ورضاه في مدرستِه علامات. يمكنكَ أن تطمئنَّ أنّ ولدَكَ سعيدٌ هناك إذا كانت فكرة الذّهاب إلى المدرسة لا تُتعبه(ها)، وهو لا يُظهِر علامات أو يستعمل تعابير رفض الذّهاب إلى المدرسة، وإذا كان يعودُ إلى البيت بحالةِ فرحٍ ويبدأ بالتَّكلُّم عن نهارِه بحماس. ولدُك سعيدٌ في مدرسته إذا كان لا يتردّد في مراجعة دروسِه وإنهاء فروضِه، وإذا كان لا “ينقّ” على تصرُّف المعلّم(ة) في الصَّف، ولا يتكلّم بالسّوء على رفاقِه في المدرسة، ويشعر بالرّاحة النفسيّة في المساء قبل النوم فلا تظهر عليه عوارضُ توتُّرٍ قبل النوم بسبب التّفكير أنه سينهض باكراً للذهاب إلى المدرسة. وإذْ يشعر بأنّ الـ weekend ضروريٌّ، إلّا أنّك تراه متحمِّساً لبداية الأسبوع الدراسي.
في المقابل، فإنّ الولدَ غيرُ السعيد في مدرستِه لا يمكنه أن يخفي تعاستَه بسهولة. فإذا رأيتَ تصرُّفَه عدائيّاً تجاهك كأهلٍ أو تجاه الأخوة في البيت، وإذا كان يتّكلُّم بغضبٍ عن نهارِه في المدرسة، ويكرهُ فكرةَ الدرس والفروض، وينتقدُ معلّميه في كلِّ ما يفعلونه، ويشعر بأنَّ مدرستَه سجنٌ لا يستطيع الخروج َمنه، عليكَ أن تقلق وبالتالي أن تهتم. في هكذا حالة، الولد لا ينام جيّداً ولا يأكل جيّداً، ويكرهُ مقابلةَ رفاق المدرسة في الـ weekend، ويغارُ من أخوتِه إذا تكلّموا بإيجابيّة على المدرسة، ويشعر بالمرض في مساء اليوم الأخير من الويك إند.
السؤال الطبيعي هو: “ما هو دورُك كأبٍ وكأمٍّ في هكذا حالٍ”؟ من المهم ألا تصرخَ في وجه الولد إذا شعرَ بالمرض مساء اليوم الأخير من الويك إند أو العطلة الطويلة، فهو لا يخدعك. ليس ذلك فحسب فقد ترتفع حرارُته حتّى. هذه العوارض هي سيكوسوماتيّة psychosomatic symptoms. عندما ترى ذلك يحدُثُ ويتكرّر، حاوِل أن تتكلَّم إليه بهدوء على انفراد وليس أمام أخوتِه أو أفراد العائلة، ولعلّكَ تريد أن تشارِك معه تجربةً سابقة حصلت لكَ أيّام الدّراسة. بهذه الطريقة أنتَ تُثبِّت ما يقولُه وتؤكّد له أنّكَ تصدّقهYou are validating what he is saying. طبعاً حاوِل أن تفهمَ منه مَن هو أفضلُ رفيقٍ عنده، حتّى ولو كان صديقاً واحداً لا غير. حاوِل أن تجمعَه برفيقِه في الـ weekend ضمن نشاطٍ بعيدٍ عن الدّرس والمدرسة. استمِعْ له حتّى لو رفضَ الكلام. بمقدورِك أن تجلسَ معه وألا تفعل شيئاً إلّا الجلوس، وحاوِل أن تناقشَه في مواضيع بعيدة عن الدرس والمدرسة؛ ويمكنُ لكما، على صعيد المثال، أن تتحدّثا عن فيلمٍ معيَّن أو رياضة معيّنة يحبُّها. يمكنُكَ أيضاً أن تقومَ بالبحث على غوغل عن موضوع يهمُّه (قد يكون الطبخ أو الرسم أو الفوتبول أو الـ AI) وأرِه ما وجدتَ. قد تكونُ وصفةً لأكلةٍ معيّنة أو معلومات عن لاعب فوتبول معيّن. لا تستخدمْ طريقة الحُكم المُسبق عليه أو حتّى الحكم عليه بالمُطلَق، ولا تناقش معه استنتاجاتك بسبب تصرّفاته، بل دعْهُ هو يصل إلى استنتاجٍ عن حالته. وإذا فاجأكَ بمشاركتِكَ بأسباب وضعه الرافض للمدرسة، شجِّعْه على إيجاد الحلول بدل فرضها عليه، وتدخّل أنتَ مع الإدارة في الحالات الضروريّة ولكن ليس غصباً عنه. لا تُجبِرْه على القيام بأيِّ شيءٍ يرفضُه، من مثل الاعتذار من شخصٍ معيّن، إلّا إذا كان مقتنِعاً كلّ الاقتناع أنّه أخطأ بحقِّ هذا الشّخص، ومُدركاً أنّ الاعتذارَ خيارٌ وليس فرضاً. دور المعالج(ة) النفسي(ة) ليس مهمّاً في هذه المرحلة. أنتَ تستطيع كوالدٍ أو والدة أن تقومَ بالدورِ المطلوبِ منك.
لكن هناك ثلاثَ حالات تُصبح فيها استشارة المعالج النفسي أمراً ضروريّاً. يصبح التدخّلُ العلاجيُّ ضروريّاً عندما تظهرُ على الولد علامات الكآبة، فهو لا يفرح لشيء ولا يهتمُّ بأيِّ خبر أو مشروع. قد يبقى في غرفتِه ويرفض الخروج منها نهائيّاً. كذلك يصبح التدخّل حتميّاً عندما يهدِّد الولد بأذيّة نفسه (مثل الانتحار لا سمح الله)، وأخيراً إذا هو طلبَ الذّهابَ إلى أخصّائي نفسي. قد يشعر بالحاجة الملحّة إلى التّكلُّم إلى أخصائي، فلا ترفض ذلك، بل شجّعه على فعل ذلك.
من الضروري أن نعرف إذا ما كان ولدُنا سعيداً أم غيرَ سعيد في مدرستِه. تجاهُلُ معرفة الحالة لا يُلغي خطورتَها وسيّئات تبعاتِها.
سمير قسطنطين