يُحذّرنا البعض من أنّنا متّجهون إلى الحرب العالميّة الثالثة. التحذير لا مُبّرر له، فنحن في الحرب العالميّة الثالثة من دونِ إعلانٍ رسمي.
عندما انتشر فيروس كورونا شعرنا بأنّ الحرب العالميّة الثالثة بدأت، وأنّ الصين قد أطلَقَتها عبر الفيروس. عندما اشتعلَت حرب روسيّا–أوكرانيا، قرأ فيها كثيرون بدايةَ حربٍ عالميّة. عندما بدأت حرب غزّة عاد حديث الحرب الكونيّة إلى الواجهة.
لم يكن العالم يوماً خالياً من الحروب. هناك حروبٌ قصيرة كما في عام 1896، حين وقعت مواجهة استمرّت 38 دقيقة بين البحريّة الملكيّة البريطانيّة والسلطان خالد بن برغش. وهناك حروب طويلة كما في شبه الجزيرة الأيبيرية بين المسلمين القادمين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وسكان المنطقة المعروفة الآن بإسبانيا والبرتغال، ودامت 780 عاما. وهناك حروب قديمة قِدم العصر الحجري بقيَت آثار جماجمها، وقد أُصيبت برماح في الرأس، على حدود مصر-السودان.
يُعزّز احتمال وقوع حربٍ كونيّة جديدة عاملان: التحالفات العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة حيث يصطفُّ فيها الغرب مواجهاً روسيّا والصين، وتسارع وتيرة التسابق بين دول النادي النووي إلى امتلاك أحدث الأسلحة النووية والتهديد باستخدامها كما فعل الروس منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
لكن ما لم يكن في الحسبان قبلاً نوعان من السلاح: سلاح الفيروس البيولوجي على شاكلة كوفيد-19، وفيروسات الكومبيوتر، السلاح المفضّل. الحرب السيبرانيّة ليست أقلّ خطورة من حروب الدبّابات والطائرات والبنادق. هي حربٌ لا مركزيّة على جبهات قتال غير متّصلة ببعضها وتمتد عبر القارات. أَوَلَمْ تشنُّ الصين حملةَ تجسّسٍ “غير مسبوقة” على الولايات المتحدة؟
ومع ذلك، يبقى خطر الحروب التقليديّة بأسلحةٍ قديمة مثل المدفعيّة وسلاح الطيران، وجديدة مثل طائرات الدرون، مصدر قلقٍ. هذه الحروب، والحروب المحتملة، هي خمس على الأقل عدا غزّة: حرب أوكرانيا، واحتمال استخدام روسيا للأسلحة النوويّة فيها، وتايوان، الخاصرة الرخوة لكلٍّ من الغرب والصين، وهي الأخرى تعيش على وقع توتّرات مضيق تايوان. وإذا لَوَتْ “حماس” ذراع أميركا في غزّة، من يضمن عدم اجتياح الصين لتايوان؟ جبهة اليونان- تركيا هي الأخرى على جمرٍ ورماد بسبب الخلافات حول التنقيب عن الطاقة في بحر إيجة. فهل يهاجم عضوٌ في الناتو عضواً آخر بسبب الخلاف؟ سيكون الأمر جديداً بالكلّية إذا حصل. الهند والصين في تسابق محمومٍ أيضاً بين الديمغرافيا والتسلُّح. وإن بقي القتال حتى الآن محدوداً للغاية، لكن الحكومتَين الهنديّة والصينيّة لم تنجحا بعد في إيجاد طريقة لحل النزاع. شبه الجزيرة الكوريّة هي الأخرى غير مرتاحة. التجارب الكوريّة الشمالية الصاروخيّة، والردود الخطابيّة العدوانيّة من الجنوب، لا تُريح ولا تُطمئن.
ولن ننسى أن نتطلّع إلى حروب الواسطة في أفريقيا من مالي إلى السودان إلى الانقلابات المتكرّرة والمتعاقبة، وحروب اليمن والعراق وسوريّا وليبيا. وكيف ننسى حرب غزّة وهي وحدَها كافيةٌ لإشعال حربٍ عالميّة ثالثة. لكن مهلاً، أَلَم نقل إنّنا Already في الحرب؟
سمير قسطنطين